Bible in 90 Days
بلدد
25 فَقَالَ بِلْدَدُ الشُّوحِيُّ: 2 «لِلهِ السُّلْطَانُ وَالْهَيْبَةُ، يَصْنَعُ السَّلامَ فِي أَعَالِيهِ. 3 هَلْ مِنْ إِحْصَاءٍ لأَجْنَادِهِ، وَعَلَى مَنْ لَا يُشْرِقُ نُورُهُ؟ 4 فَكَيْفَ يَتَبَرَّرُ الإِنْسَانُ عِنْدَ اللهِ، وَكَيْفَ يَزْكُو مَوْلُودُ الْمَرْأَةِ؟ 5 فَإِنْ كَانَ الْقَمَرُ لَا يُضِيءُ، وَالْكَوَاكِبُ غَيْرَ نَقِيَّةٍ فِي عَيْنَيْهِ، 6 فَكَمْ بِالْحَرِيِّ الإِنْسَانُ الرِّمَّةُ وَابْنُ آدَمَ الدُّودُ؟»
أيوب
26 أَيُّوبُ: 2 «يَا لَكُمْ مِنْ عَوْنٍ كَبِيرٍ لِلْخَائِرِ! كَيْفَ خَلَّصْتُمْ ذِرَاعاً وَاهِيَةً! 3 أَيَّةَ مَشَورَةٍ أَسْدَيْتُمْ لِلأَحْمَقِ! أَيَّةُ مَعْرِفَةٍ صَادِقَةٍ وَافِرَةٍ زَوَّدْتُمُوهُ بِها! 4 لِمَنْ نَطَقْتُمْ بِالْكَلِمَاتِ؟ وَرُوحُ مَنْ عَبَّرتُمْ عَنْهُ؟
5 تَرْتَعِدُ الأَشْبَاحُ مِنْ تَحْتُ، وَكَذَلِكَ الْمِيَاهُ وَسُكَّانُهَا. 6 الْهَاوِيَةُ مَكْشُوفَةٌ أَمَامَ اللهِ وَالْهَلاكُ لَا سِتْرَ لَهُ. 7 يَمُدُّ الشِّمَالَ عَلَى الْخَوَاءِ وَيُعَلِّقُ الأَرْضَ عَلَى لَا شَيْءٍ. 8 يَصُرُّ الْمِيَاهَ فِي سُحُبِهِ فَلا يَتَخَرَّقُ الْغَيْمُ تَحْتَهَا. 9 يَحْجُبُ وَجْهَ عَرْشِهِ وَيَبْسُطُ فَوْقَهُ غُيُومَهُ. 10 رَسَمَ حَدّاً عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ عِنْدَ خَطِّ اتِّصَالِ النُّورِ بِالظُّلْمَةِ. 11 مِنْ زَجْرِهِ تَرْتَعِشُ أَعْمِدَةُ السَّمَاءِ وَتَرْتَعِدُ مِنْ تَقْرِيعِهِ. 12 بِقُوَّتِهِ يُهَدِّئُ هَيَجَانَ الْبَحْرِ وَبِحِكْمَتِهِ يَسْحَقُ رَهَبَ. 13 بِنَسْمَتِهِ جَمَّلَ السَّمَاوَاتِ، وَيَدَاهُ اخْتَرَقَتَا الْحَيَّةَ الْهَارِبَةَ. 14 وَهَذِهِ لَيْسَتْ سِوَى أَدْنَى طُرُقِهِ، وَمَا أَخْفَتَ هَمْسَ كَلامِهِ الَّذِي نَسْمَعُهُ؛ فَمَنْ يُدْرِكُ إِذاً رَعْدَ جَبَرُوتِهِ؟»
كلمات أيوب الأخيرة لأصدقائه
27 وَاسْتَطْرَدَ أَيُّوبُ يَضْرِبُ مَثَلَهُ قَائِلاً: 2 «حَيٌّ هُوَ اللهُ الَّذِي نَزَعَ حَقِّي، وَالْقَدِيرُ الَّذِي أَمَرَّ حَيَاتِي، 3 وَلَكِنْ مَادَامَتْ نَسَمَتِي فِيَّ، وَنَفْخَةُ اللهِ فِي أَنْفِي، 4 فَإِنَّ شَفَتَيَّ لَنْ تَنْطِقَا بِالسُّوءِ، وَلِسَانِي لَنْ يَتَلَفَّظَ بِالْغِشِّ. 5 حَاشَا لِي أَنْ أُقِرَّ بِصَوَابِ أَقْوَالِكُمْ، وَلَنْ أَتَخَلَّى عَنْ كَمَالِي حَتَّى الْمَوْتِ. 6 أَتَشَبَّثُ بِبِرِّي وَلَنْ أَرْخِيَهُ، لأَنَّ ضَمِيرِي لَا يُؤَنِّبُنِي عَلَى يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِي.
7 لِيَكُنْ عَدُوِّي نَظِيرَ الشِّرِّيرِ، وَمُقَاوِمِي كَالْفَاجِرِ، 8 إِذْ مَا هُوَ رَجَاءُ الْفَاجِرِ عِنْدَمَا يَسْتَأْصِلُهُ اللهُ وَيُزْهِقُ أَنْفَاسَهُ؟ 9 هَلْ يَسْتَمِعُ اللهُ إِلَى صَرْخَتِهِ إِذَا حَلَّ بِهِ ضِيقٌ؟ 10 هَلْ يُسَرُّ بِالْقَدِيرِ وَيَسْتَغِيثُ بِهِ فِي كُلِّ الأَزْمِنَةِ؟
11 إِنِّي أُعَلِّمُكُمْ عَنْ قُوَّةِ اللهِ، وَلا أَكْتُمُ عَنْكُمْ مَا لَدَى الْقَدِيرِ. 12 فَأَنْتُمْ جَمِيعاً قَدْ عَايَنْتُمْ ذَلِكَ بِأَنْفُسِكُمْ، فَمَا بَالُكُمْ تَنْطِقُونَ بِالْبَاطِلِ قَائِلِينَ: 13 هَذَا هُوَ نَصِيبُ الشِّرِّيرِ عِنْدَ اللهِ وَالْمِيرَاثُ الَّذِي يَنَالُهُ الظَّالِمُ مِنَ الْقَدِيرِ. 14 إِنْ تَكَاثَرَ بَنُوهُ فَلِيَكُونُوا طَعَاماً لِلسَّيْفِ، وَنَسْلُهُ لَا يَشْبَعُ خُبْزاً. 15 ذُرِّيَّتُهُ تَمُوتُ بِالْوَبَأِ، وَأَرَامِلُهُمْ لَا تَنُوحُ عَلَيْهِمْ. 16 إِنْ جَمَعَ فِضَّتَهُ كَأَكْوَامِ التُّرَابِ، وَكَوَّمَ مَلابِسَ كَالطِّينِ، 17 فَإِنَّ مَا يُعِدُّهُ مِنْ ثِيَابٍ يَرْتَدِيهِ الصِّدِّيقُ، وَالْبَرِيءُ يُوَزِّعُ الْفِضَّةَ. 18 يَبْنِي بَيْتَهُ كَبَيْتِ الْعَنْكَبُوتِ، أَوْ كَمَظَلَّةٍ صَنَعَهَا حَارِسُ الْكُرُومِ. 19 يَضْطَجِعُ غَنِيًّا وَيَسْتَيْقِظُ مُعْدَماً. يَفْتَحُ عَيْنَيْهِ وَإذَا بِثَرْوَتِهِ قَدْ تَلاشَتْ. 20 يَطْغَى عَلَيْهِ رُعْبٌ كَفَيَضَانٍ، وَتَخْطِفُهُ فِي اللَّيْلِ زَوْبَعَةٌ. 21 تُطَوِّحُ بِهِ الرِّيحُ الشَّرْقِيَّةُ فَيَخْتَفِي وَتَقْتَلِعُهُ مِنْ مَكَانِهِ. 22 تُطْبِقُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ رَحْمَةٍ وَهُوَ هَارِبٌ مِنْ وَجْهِ عُنْفُوانِهَا. 23 تُصَفِّرُ الرِّيحُ عَلَيْهِ، وَتُرْعِبُهُ بِقُوَّتِهَا الْمُدَمِّرَةِ.
أين توجد الحكمة؟
28 لَا رَيْبَ أَنَّ هُنَاكَ مَنْجَماً لِلْفِضَّةِ وَبَوْتَقَةً لِتَمْحِيصِ الذَّهَبِ. 2 يُسْتَخْرَجُ الْحَدِيدُ مِنَ التُّرَابِ، وَمِنَ الْمَعْدَنِ الْخَامِ يُصْهَرُ النُّحَاسُ. 3 قَدْ وَضَعَ الإِنْسَانُ حَدّاً لِلظُّلْمَةِ، وَبَحَثَ فِي أَقْصَى طَرَفٍ عَنِ الْمَعْدَنِ فِي الظُّلُمَاتِ الْعَمِيقَةِ. 4 حَفَرُوا مَنْجَماً بَعِيداً، فِي مَوْضِعٍ مُقْفِرٍ مِنَ السُّكَّانِ، هَجَرَتْهُ أَقْدَامُ النَّاسِ، وَتَدَلُّوْا فِيهِ. 5 أَمَّا الأَرْضُ الَّتِي تُنْبِتُ لَنَا خَيْراً فَقَدِ انْقَلَبَ أَسْفَلُهَا كَمَا بِنَارٍ. 6 يَكْمُنُ فِي صُخُورِهَا الْيَاقُوتُ الأَزْرَقُ، وَفِي تُرَابِهَا الذَّهَبُ. 7 لَمْ يَهْتَدِ إِلَى طَرِيقِهَا طَيْرٌ جَارِحٌ، وَلَمْ تُبْصِرْهُ عَيْنُ صَقْرٍ. 8 لَمْ تَطَأْهُ أَقْدَامُ الضَّوَارِي أَوْ يَسْلُكْ فِيهِ اللَّيْثُ. 9 امْتَدَّتْ أَيْدِيهِمْ إِلَى الصَّوَّانِ، وَقَلَبُوا الْجِبَالَ مِنْ أُصُولِهَا. 10 حَفَروا مَمَرَّاتٍ فِي صُخُورِهَا، وَعَايَنَتْ أَعْيُنُهُمْ كُلَّ ثَمِينٍ. 11 سَدُّوا مَجَارِيَ الأَنْهَارِ، وَأَبْرَزُوا مَكْنُونَاتِ قِيعَانِهَا إِلَى النُّورِ.
12 وَلَكِنْ أَيْنَ تُوجَدُ الْحِكْمَةُ؟ وَأَيْنَ مَقَرُّ الْفِطْنَةِ؟ 13 لَا يُدْرِكُ الإِنْسَانُ قِيمَتَهَا، وَلا يُمْكِنُ أَنْ تُوجَدَ فِي أَرْضِ الأَحْيَاءِ. 14 يَقُولُ الْغَمْرُ: لَيْسَتْ هِيَ فِيَّ؛ وَيَقُولُ الْبَحْرُ إِنِّي لَا أَمْلِكُهَا. 15 لَا تُقَايَضُ بِالذَّهَبِ الْخَالِصِ، وَلا تُوْزَنُ الْفِضَّةُ ثَمَناً لَهَا. 16 لَا تُثَمَّنُ بِذَهَبِ أُوفِيرَ أَوْ بِالْجَزْعِ الْكَرِيمِ أَوْ بِالْيَاقُوتِ الأَزْرَقِ. 17 لَا يُعَادِلُهَا ذَهَبٌ أَوْ زُجَاجٌ، وَلا تُسْتَبْدَلُ بِمُجَوْهَرَاتٍ مِنَ الذَّهَبِ الْخَالِصِ. 18 لَا يُذْكَرُ مَعَهَا الْمُرْجَانُ أَوِ الْبَلُّوْرُ، فَثَمَنُ الْحِكْمَةِ أَغْلَى مِنْ كُلِّ اللَّآلِئِ. 19 لَا يُقَارَنُ بِها يَاقُوتُ كُوشٍ وَلا تُثَمَّنُ بِالذَّهَبِ النَّقِيِّ. 20 إِذاً مِنْ أَيْنَ تَأْتِي الْحِكْمَةُ، وَأَيْنَ هُوَ مَقَرُّ الْفِطْنَةِ؟ 21 إِنَّهَا مَحْجُوبَةٌ عَنْ عَيْنَيْ كُلِّ حَيٍّ، وَخَافِيَةٌ عَنْ طَيْرِ السَّمَاءِ. 22 الْهَلاكُ وَالْمَوْتُ قَالا: قَدْ بَلَغَتْ مَسَامِعَنَا شَائِعَةٌ عَنْهَا. 23 اللهُ وَحْدَهُ يَعْلَمُ الطَّرِيقَ إِلَيْهَا وَيَعْرِفُ مَقَرَّهَا، 24 لأَنَّهُ يَرَى أَقْصَى الأَرْضِ وَيُحِيطُ بِجَمِيعِ مَا تَحْتَ السَّمَاوَاتِ. 25 عِنْدَمَا جَعَلَ لِلرِّيحِ وَزْناً وَعَايَرَ الْمِيَاهَ بِمِقْيَاسٍ، 26 عِنْدَمَا وَضَعَ سُنَناً لِلْمَطَرِ وَمَمَرّاً لِصَوَاعِقِ الرُّعُودِ، 27 آنَئِذٍ رَآهَا وَأَذَاعَ خَبَرَهَا وَأَثْبَتَهَا وَفَحَصَهَا، 28 ثُمَّ قَالَ لِلإِنْسَانِ: انْظُرْ، إِنَّ مَخَافَةَ الرَّبِّ هِيَ الْحِكْمَةُ، وَتَفَادِي الشَّرِّ هُوَ الْفِطْنَةُ».
دفاع أيوب الأخير
29 وَاسْتَطْرَدَ أَيُّوبُ فِي ضَرْبِ مَثَلِهِ: 2 «يَا لَيْتَنِي مَازِلْتُ كَمَا كُنْتُ فِي الشُّهُورِ الْغَابِرَةِ، فِي الأَيَّامِ الَّتِي حَفِظَنِي فِيهَا اللهُ، 3 كَانَ مِصْبَاحُهُ يُضِيءُ فَوْقَ رَأْسِي، فَأَسْلُكُ عَبْرَ الظُّلْمَةِ فِي نُورِهِ. 4 يَوْمَ كُنْتُ فِي رَيعَانِ قُوَّتِي وَرِضَى اللهِ مُخَيِّماً فَوْقَ بَيْتِي. 5 وَالْقَدِيرُ مَا بَرِحَ مَعِي، وَأَوْلادِي مَازَالُوا حَوْلِي. 6 حِينَ كُنْتُ أَغْسِلُ خَطْوَاتِي بِاللَّبَنِ، وَالصَّخْرُ يَفِيضُ لِي أَنْهَاراً مِنَ الزَّيْتِ. 7 حِينَ كُنْتُ أَخْرُجُ إِلَى بَوَّابَةِ الْمَدِينَةِ، وَأَحْتَلُّ فِي السَّاحَةِ مَجْلِسِي، 8 فَيَرَانِي الشُّبَّانُ وَيَتَوَارَوْنَ، وَيَقِفُ الشُّيُوخُ احْتِرَاماً لِي. 9 يَمْتَنِعُ الْعُظَمَاءُ عَنِ الْكَلامِ وَيَضَعُونَ أَيْدِيَهُمْ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ. 10 يَتَلاشَى صَوْتُ النُّبَلاءِ، وَتَلْتَصِقُ أَلْسِنَتُهُمْ بِأَحْنَاكِهِمْ. 11 إِذَا سَمِعَتْ لِيَ الأُذُنُ تُطَوِّبُنِي، وَإذَا شَهِدَتْنِي الْعَيْنُ تُثْنِي عَلَيَّ، 12 لأَنِّي أَنْقَذْتُ الْبَائِسَ الْمُسْتَغِيثَ، وَأَجَرْتُ الْيَتِيمَ طَالِبَ الْعَوْنِ، 13 فَحَلَّتْ عَلَيَّ بَرَكَةُ الْمُشْرِفِ عَلَى الْمَوْتِ، وَجَعَلْتُ قَلْبَ الأَرْمَلَةِ يَتَهَلَّلُ فَرَحاً. 14 ارْتَدَيْتُ الْبِرَّ فَكَسَانِي، وَكَجُبَّةٍ وَعِمَامَةٍ كَانَ عَدْلِي. 15 كُنْتُ عُيُوناً لِلأَعْمَى، وَأَقْدَاماً لِلأَعْرَجِ، 16 وَكُنْتُ أَباً لِلْمِسْكِينِ، أَتَقَصَّى دَعْوَى مَنْ لَمْ أَعْرِفْهُ. 17 هَشَّمْتُ أَنْيَابَ الظَّالِمِ وَمِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ نَزَعْتُ الْفَرِيسَةَ، 18 ثُمَّ حَدَّثْتُ نَفْسِي: إِنِّي سَأَمُوتُ فِي خَيْمَتِي وَتَتَكَاثَرُ أَيَّامِي كَحَبَّاتِ الرَّمْلِ. 19 سَتَمْتَدُّ أُصُولِي إِلَى الْمِيَاهِ، وَالطَّلُّ يَبِيتُ عَلَى أَغْصَانِي. 20 يَتَجَدَّدُ مَجْدِي دَائِماً، وَقَوْسِي أَبَداً جَدِيدَةٌ فِي يَدِي. 21 يَسْتَمِعُ النَّاسُ لِي وَيَنْتَظِرُونَ، وَيَصْمُتُونَ مُنْصِتِينَ لِمَشُورَتِي. 22 بَعْدَ كَلامِي لَا يُثَنُّونَ عَلَى أَقْوَالِي، وَحَدِيثِي يَقْطُرُ عَلَيْهِمْ كَالنَّدَى. 23 يَتَرَقَّبُونَنِي كَالْغَيْثِ، وَيَفْتَحُونَ أَفْوَاهَهُمْ كَمَنْ يَنْهَلُ مِنْ مَطَرِ الرَّبِيعِ 24 إِنِ ابْتَسَمْتُ لَهُمْ لَا يُصَدِّقُونَ، وَنُورُ وَجْهِي لَمْ يَطْرَحُوهُ عَنْهُمْ بَعِيداً. 25 أَخْتَارُ لَهُمْ طَرِيقَهُمْ وَأَتَصَدَّرُ مَجْلِسَهُمْ، وَأَكُونُ بَيْنَهُمْ كَمَلِكٍ بَيْنَ جُيُوشِهِ، وَكَالْمُعَزِّي بَيْنَ النَّائِحِينَ.
30 أَمَّا الآنَ فَقَدْ هَزَأَ بِي مَنْ هُمْ أَصْغَرُ مِنِّي سِنّاً، مَنْ كُنْتُ آنَفُ أَنْ أَجْعَلَ آبَاءَهُمْ مَعَ كِلابِ غَنَمِي. 2 إِذْ مَا جَدْوَى قُوَّةِ أَيْدِيهِمْ لِي بَعْدَ أَنْ أُصِيبَتْ بِعَجْزٍ؟ 3 يَهِيمُونَ هُزَالَى جِيَاعاً، يَنْبِشُونَ الْيَابِسَةَ الْخَرِبَةَ الْمَهْجُورَةَ. 4 يَلْتَقِطُونَ الْخُبَّيْزَةَ بَيْنَ الْعُلَّيْقِ، وَخُبْزُهُمْ عُرُوقُ الرَّتَمِ. 5 يُطْرَدُونَ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ، وَيَصْرُخُونَ خَلْفَهُمْ كَمَا يَصْرُخُونَ عَلَى لِصٍّ. 6 يُقِيمُونَ فِي كُهُوفِ الْوِدْيَانِ الْجَافَّةِ، بَيْنَ الصُّخُورِ وَفِي ثُقُوبِ الأَرْضِ. 7 يَنْهَقُونَ بَيْنَ الْعُلَّيْقِ، وَيرْبِضُونَ تَحْتَ الْعَوْسَجِ. 8 هُمْ حَمْقَى، أَبْنَاءُ قَوْمٍ خَامِلِينَ مَنْبُوذِينَ مِنَ الأَرْضِ.
9 أَمَّا الآنَ فَقَدْ أَصْبَحْتُ مَثَارَ سُخْرِيَةٍ لَهُمْ وَمَثَلاً يَتَنَدَّرُونَ بِهِ 10 يَشْمَئِزُّونَ مِنِّي وَيَتَجَافَوْنَنِي، لَا يَتَوَانَوْنَ عَنِ الْبَصْقِ فِي وَجْهِي! 11 لأَنَّ اللهَ قَدْ أَرْخَى وَتَرَ قَوْسِي وَأَذَلَّنِي، انْقَلَبُوا ضِدِّي بِكُلِّ قُوَّتِهِمْ. 12 قَامَ صِغَارُهُمْ عَنْ يَمِينِي يُزِلُّونَ قَدَمِي وَيُمَهِّدُونَ سُبُلَ دَمَارِي. 13 سَدُّوا عَلَيَّ مَنْفَذَ مَهْرَبِي، وَتَضَافَرُوا عَلَى هَلاكِي، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لِي مُعِينٌ. 14 وَكَأَنَّمَا مِنْ ثُغْرَةٍ وَاسِعَةٍ تَدَافَعُوا نَحْوِي، وَانْدَفَعُوا هَاجِمِينَ بَيْنَ الرَّدْمِ. 15 طَغَتْ عَلَيَّ الأَهْوَالُ، فَتَطَايَرَتْ كَرَامَتِي كَوَرَقَةٍ أَمَامَ الرِّيحِ، وَمَضَى رَغْدِي كَالسَّحَابِ.
16 وَالآنَ تَهَافَتَتْ نَفْسِي عَلَيَّ وَتَنَاهَبَتْنِي أَيَّامُ بُؤْسِي. 17 يَنْخَرُ اللَّيْلُ عِظَامِي، وَآلامِي الضَّارِيَةُ لَا تَهْجَعُ. 18 تَشُدُّ بِعُنْفٍ لِبَاسِي وَتَحْزِمُنِي مِثْلَ طَوْقِ عَبَاءَتِي. 19 قَدْ طَرَحَنِي اللهُ فِي الْحَمْأَةِ فَأَشْبَهْتُ التُّرَابَ وَالرَّمَادَ. 20 أَسْتَغِيثُ بِكَ فَلا تَسْتَجِيبُ، وَأَقِفُ أَمَامَكَ فَلا تَأْبَهُ بِي. 21 أَصْبَحْتَ لِي عَدُوّاً قَاسِياً، وَبِقُدْرَةِ ذِرَاعِكَ تَضْطَهِدُنِي. 22 خَطَفْتَنِي وَأَرْكَبْتَنِي عَلَى الرِّيحِ، تُذِيبُنِي فِي زَئِيرِ الْعَاصِفَةِ. 23 فَأَيْقَنْتُ أَنَّكَ تَسُوقُنِي إِلَى الْمَوْتِ، وَإِلَى دَارِ مِيعَادِ كُلِّ حَيٍّ. 24 وَلَكِنْ، أَلا يَمُدُّ إِنْسَانٌ يَدَهُ مِنْ تَحْتِ الأَنْقَاضِ؟ أَوَ لَا يَسْتَغِيثُ فِي بَلِيَّتِهِ؟
25 أَلَمْ أَبْكِ لِمَنْ قَسَى عَلَيْهِ يَوْمُهُ؟ أَلَمْ تَحْزَنْ نَفْسِي لِلْمِسْكِينِ؟ 26 وَلَكِنْ حِينَ تَرَقَّبْتُ الْخَيْرَ أَقْبَلَ الشَّرُّ، وَحِينَ تَوَقَّعْتُ النُّورَ هَجَمَ الظَّلامُ. 27 قَلْبِي يَغْلِي وَلَنْ يَهْدَأَ، وَأَيَّامُ الْبَلِيَّةِ غَشِيَتْنِي. 28 فَأَمْضِي نَائِحاً لَكِنْ مِنْ غَيْرِ عَزَاءٍ. أَقِفُ بَيْنَ النَّاسِ أَطْلُبُ الْعَوْنَ. 29 صِرْتُ أَخاً لِبَنَاتِ آوَى، وَرَفِيقاً لِلنَّعَامِ. 30 اسْوَدَّ جِلْدِي عَلَيَّ وَتَقَشَّرَ، وَاحْتَرَقَتْ عِظَامِي مِنَ الْحُمَّى 31 صَارَتْ قِيثَارَتِي لِلنَّوْحِ، وَمِزْمَارِي لِصَوْتِ النَّادِبِينَ.
31 أَبْرَمْتُ عَهْداً مَعَ عَيْنَيَّ، فَكَيْفَ أَرْنُو إِلَى عَذْرَاءَ؟ 2 وَمَاذَا يَكُونُ نَصِيبِي عِنْدَ اللهِ مِنْ فَوْقُ، وَمَا هُوَ إِرْثِي مِنْ عِنْدِ الْقَدِيرِ فِي الأَعَالِي؟ 3 أَلَيْسَتِ الْبَلِيَّةُ مِنْ حَظِّ الشِّرِّيرِ، وَالْكَارِثَةُ مِنْ نَصِيبِ فَاعِلِي الإِثْمِ؟ 4 أَلا يَرَى اللهُ طُرُقِي وَيُحْصِي كُلَّ خَطْوَاتِي؟ 5 إِنْ سَلَكْتُ فِي ضَلالٍ وَأَسْرَعَتْ قَدَمِي لاِرْتِكَابِ الْغِشِّ، 6 فَلأُوزَنْ فِي قِسْطَاسِ الْعَدْلِ، وَلْيَعْرِفِ اللهُ كَمَالِي. 7 إِنْ حَادَتْ خَطْوَاتِي عَنِ الطَّرِيقِ، وَغَوَى قَلْبِي وَرَاءَ عَيْنَيَّ، وَعَلِقَتْ بِيَدِي لَطْخَةُ عَارٍ، 8 فَلأَزْرَعْ أَنَا وَآخَرُ يَأْكُلُ، وَلْيُسْتَأْصَلْ مَحْصُولِي.
9 إِنْ هَامَ قَلْبِي وَرَاءَ امْرَأَةٍ، أَوْ طُفْتُ عِنْدَ بَابِ جَارِي، 10 فَلْتَطْحَنْ زَوْجَتِي لِآخَرَ، وَلْيُضَاجِعْهَا آخَرُونَ. 11 لأَنَّ هَذِهِ رَذِيلَةٌ وَإِثْمٌ يُعَاقِبُ عَلَيْهِ الْقُضَاةُ، 12 وَنَارٌ مُلْتَهِمَةٌ تُفْضِي إِلَى الْهَلاكِ وَتَقْضِي عَلَى غَلَّاتِي.
13 إِنْ كُنْتُ قَدْ تَنَكَّرْتُ لِحَقِّ خَادِمِي وَأَمَتِي عِنْدَمَا اشْتَكَيَا عَلَيَّ، 14 فَمَاذَا أَصْنَعُ عِنْدَمَا يَقُومُ اللهُ (لِمُحَاكَمَتِي)؟ وَبِمَاذَا أُجِيبُ عِنْدَمَا يَتَقَصَّى (لِيُحَاسِبَنِي)؟ 15 أَلَيْسَ الَّذِي كَوَّنَنِي فِي الرَّحِمِ كَوَّنَهُ أَيْضاً؟ أَوَ لَيْسَ الَّذِي شَكَّلَنَا فِي الرَّحِمِ وَاحِدٌ؟ 16 إِنْ كُنْتُ قَدْ مَنَعْتُ عَنِ الْمِسْكِينِ مَا يَطْلُبُهُ، أَوْ أَوْهَنْتُ عَيْنَيِ الأَرْمَلَةِ مِنْ فَرْطِ الْبُكَاءِ، 17 أَوْ أَكَلْتُ كِسْرَةَ خُبْزِي وَحْدِي وَلَمْ أَتَقَاسَمْهَا مَعَ الْيَتِيمِ، 18 إِذْ مُنْذُ حَدَاثَتِي رَعَيْتُهُ كَأَبٍ، وَهَدَيْتُهُ مِنْ رَحِمِ أُمِّهِ. 19 إِنْ كُنْتُ قَدْ رَأَيْتُ أَحَداً مُشْرِفاً عَلَى الْهَلاكِ مِنَ الْعُرْيِ، أَوْ مِسْكِيناً مِنْ غَيْرِ كِسَاءٍ، 20 إِنْ لَمْ تُبَارِكْنِي حَقَوَاهُ الْمُسْتَدْفِئَتَانِ بِجَزَّةِ غَنَمِي! 21 إِنْ كُنْتُ قَدْ رَفَعْتُ يَدِي ضِدَّ الْيَتِيمِ، مُسْتَغِلاً نُفُوذِي فِي الْقَضَاءِ، 22 فَلْيَسْقُطْ عَضُدِي مِنْ كَتِفِي، وَلْتَنْكَسِرْ ذِرَاعِي مِنْ قَصَبَتِهَا. 23 لأَنَّنِي أَرْتَعِبُ مِنْ نِقْمَةِ اللهِ، وَمَا كُنْتُ أَقْوَى عَلَى مُوَاجَهَةِ جَلالِهِ.
24 إِنْ كُنْتُ قَدْ جَعَلْتُ الذَّهَبَ مُتَّكَلِي، أَوْ قُلْتُ لِلإِبْرِيزِ أَنْتَ مُعْتَمَدِي، 25 إِنْ كُنْتُ قَدِ اغْتَبَطْتُ بِعُظْمِ ثَرْوَتِي، أَوْ لأَنَّ يَدَيَّ فَاضَتَا بِوَفْرَةِ الْكَسْبِ، 26 إِنْ كُنْتُ قَدْ نَظَرْتُ إِلَى الشَّمْسِ حِينَ أَضَاءَتْ، أَوْ إِلَى الْقَمَرِ السَّائِرِ بِبَهَاءٍ، 27 فَغَوِيَ قَلْبِي سِرّاً وَقَبَّلْتُ يَدَيَّ تَوْقِيراً لَهُمَا، 28 فَإِنَّ هَذَا أَيْضاً إِثْمٌ يُعَاقِبُ عَلَيْهِ الْقُضَاةُ، لأَنِّي أَكُونُ قَدْ جَحَدْتُ اللهَ الْعَلِيَّ.
29 إِنْ كُنْتُ قَدْ فَرِحْتُ بِدَمَارِ مُبْغِضِي أَوْ شَمِتُّ حِينَ أَصَابَهُ شَرٌّ، 30 لا! لَمْ أَدَعْ لِسَانِي يُخْطِئُ بالدُّعَاءِ عَلَى حَيَاتِهِ بِلَعْنَةٍ. 31 إِنْ كَانَ أَهْلُ خَيْمَتِي لَمْ يَقُولُوا: أَهُنَاكَ مَنْ لَمْ يَشْبَعْ مِنْ طَعَامِ أَيُّوبَ؟ 32 فَالْغَرِيبُ لَمْ يَبِتْ فِي الشَّارِعِ لأَنِّي فَتَحْتُ أَبْوَابِي لِعَابِرِي السَّبِيلِ. 33 إِنْ كُنْتُ قَدْ كَتَمْتُ آثَامِي كَبَقِيَّةِ النَّاسِ، طَاوِياً ذُنُوبِي فِي حِضْنِي، 34 رَهْبَةً مِنَ الْجَمَاهِيرِ الْغَفِيرَةِ، وَخَوْفاً مِنْ إِهَانَةِ الْعَشَائِرِ، وصَمَتُّ وَاعْتَصَمْتُ دَاخِلَ الأَبْوَابِ. 35 آهِ، مَنْ لِي بِمَنْ يَسْتَمِعُ لِي! هُوَذَا تَوْقِيعِي، فَلْيُجِبْنِي الْقَدِيرُ. لَيْتَ خَصْمِي يَكْتُبُ شَكْوَاهُ ضِدِّي، 36 فَأَحْمِلَهَا عَلَى كَتِفِي وَأَعْصِبَهَا تَاجاً لِي، 37 لَكُنْتُ أُقَدِّمُ لَهُ حِسَاباً عَنْ كُلِّ خَطْوَاتِي، وَأَدْنُو مِنْهُ كَمَا أَدْنُو مِنْ أَمِيرٍ. 38 إِنْ كَانَتْ أَرْضِي قَدِ احْتَجَّتْ عَلَيَّ وَتَبَاكَتْ أَتْلامُهَا جَمِيعاً، 39 إِنْ كُنْتُ قَدْ أَكَلْتُ غَلّاتِهَا بِلا ثَمَنٍ، أَوْ سَحَقْتُ نُفُوسَ أَصْحَابِهَا، 40 فَلْيَنْبُتْ فِيهَا الشَّوْكُ بَدَلَ الْحِنْطَةِ وَالزَّوَانُ بَدَلَ الشَّعِيرِ». تَمَّتْ هُنَا أَقْوَالُ أَيُّوبَ.
أليهو
32 فَكَفَّ هَؤُلاءِ الرِّجَالُ عَنِ الرَّدِّ عَلَى أَيُّوبَ، لأَنَّهُ كَانَ مُقْتَنِعاً بِبَرَاءَةِ نَفْسِهِ.
2 غَيْرَ أَنَّ غَضَبَ أَلِيهُو بْنِ بَرَخْئِيلَ الْبُوزِيِّ، مِنْ عَشِيرَةِ رَامٍ، احْتَدَمَ عَلَى أَيُّوبَ، لأَنَّهُ ظَنَّ نَفْسَهُ أَبَرَّ مِنَ اللهِ، 3 كَمَا غَضِبَ أَيْضاً عَلَى أَصْحَابِ أَيُّوبَ الثَّلاثَةِ، لأَنَّهُمْ عَجَزُوا عَنِ الرَّدِّ عَلَيْهِ، مَعَ أَنَّهُمُ اسْتَذْنَبُوهُ. 4 وَكَانَ أَلِيهُو قَدْ لَزِمَ الصَّمْتَ حَتَّى فَرَغُوا مِنَ الْكَلامِ مَعَ أَيُّوبَ، لأَنَّهُمْ كَانُوا أَكْبَرَ مِنْهُ سِنّاً. 5 وَلَمَّا رَأَى أَلِيهُو أَنَّ الرِّجَالَ الثَّلاثَةَ قَدْ أَخْفَقُوا فِي إِجَابَةِ أَيُّوبَ قَالَ بِغَضَبٍ مُحْتَدِمٍ:
6 «أَنَا صَغِيرُ السِّنِّ وَأَنْتُمْ شُيُوخٌ، لِذَلِكَ تَهَيَّبْتُ وَخِفْتُ أَنْ أُبْدِيَ لَكُمْ رَأْيِي، 7 قَائِلاً لِنَفْسِي: ’لِتَتَكَلَّمِ الأَيَّامُ، وَلْتُلَقِّنْ كَثْرَةُ السِّنِينَ حِكْمَةً.‘ 8 وَلَكِنَّ الرُّوحَ الَّذِي فِي الإِنْسَانِ، وَنَسَمَةَ الْقَدِيرِ، تُعْطِي الإِنْسَانَ فَهْماً. 9 لَيْسَ الْمُسِنُّونَ وَحْدَهُمْ هُمُ الْحُكَمَاءَ، وَلا الشُّيُوخُ فَقَطْ يُدْرِكُونَ الْحَقَّ. 10 لِذَلِكَ أَقُولُ: أَصْغُوا إِلَيَّ لأُحَدِّثَكُمْ بِمَا أَعْرِفُ. 11 لَقَدْ أَنْصَتُّ بِصَبْرٍ حِينَ تَكَلَّمْتُمْ، وَاسْتَمَعْتُ إِلَى حُجَجِكُمْ حِينَ بَحَثْتُمْ عَنِ الْكَلامِ، 12 وَأَوْلَيْتُكُمُ انْتِبَاهِي، فَلَمْ أَجِدْ فِي كَلامِكُمْ مَا أَفْحَمَ أَيُّوبَ، أَوْ رَدَّ عَلَى أَقْوَالِهِ. 13 احْتَرِسُوا لِئَلّا تَقُولُوا إِنَّنَا قَدْ أَحْرَزْنَا حِكْمَةً، فَالرَّبُّ يُفْحِمُ أَيُّوبَ لَا الإِنْسَانُ. 14 إِنَّهُ لَمْ يُوَجِّهْ حَدِيثَهُ إِلَيَّ، لِذَلِكَ لَنْ أُجِيبَهُ بِمِثْلِ كَلامِكُمْ. 15 لَقَدْ تَحَيَّرُوا، يَا أَيُّوبُ، وَلَمْ يُجِيبُوا إِذْ أَعْيَاهُمُ النُّطْقُ، 16 فَهَلْ أَصْمُتُ لأَنَّهُمْ لَمْ يَتَكَلَّمُوا، وَهَلْ أَمْتَنِعُ عَنِ الرَّدِّ؟ 17 لا، سَأُجِيبُ أَنَا أَيْضاً وَأُبْدِي رَأْيِي، 18 لأَنِّي أَفِيضُ كَلاماً، وَالرُّوحُ فِي دَاخِلِي يُحَفِّزُنِي. 19 انْظُرُوا، إِنَّ قَلْبِي فِي دَاخِلِي كَخَمْرٍ لَمْ تُفْتَحْ، وَكَزِقَاقٍ جَدِيدَةٍ تَكَادُ تَنْشَقُّ! 20 فَلأَتَكَلَّمَنَّ لأُفَرِّجَ عَنْ نَفْسِي، أَفْتَحُ شَفَتَيَّ لأُجِيبَ. 21 لَنْ أُحَابِيَ إِنْسَاناً أَوْ أَتَمَلَّقَ أَحَداً. 22 لأَنِّي لَا أَعْرِفُ التَّمَلُّقَ، وَإلَّا يَقْضِي عَلَيَّ صَانِعِي سَرِيعاً.
33 وَالآنَ يَا أَيُّوبُ أصْغِ إِلَى أَقْوَالِي، وَاسْمَعْ كَلامِي كُلَّهُ: 2 هَا أَنَا قَدْ فَتَحْتُ فَمِي فَنَطَقَ لِسَانِي فِي حَنَكِي، 3 كَلِمَاتِي تَصْدُرُ مِنْ قَلْبٍ مُسْتَقِيمٍ، وَشَفَتَايَ تَتَحَدَّثَانِ بِإِخْلاصٍ بِمَا أَعْلَمُ. 4 رُوحُ اللهِ هُوَ الَّذِي كَوَّنَنِي، وَنَسَمَةُ الْقَدِيرِ أَحْيَتْنِي، 5 فَأَجِبْنِي إِنْ كُنْتَ تَسْتَطِيعُ. أَحْسِنِ الدَّعْوَى، وَاتَّخِذْ لَكَ مَوْقِفاً. 6 إِنَّمَا أَنَا نَظِيرُكَ أَمَامَ اللهِ، مِنَ الطِّينِ جُبِلْتُ، 7 فَلا هَيْبَتِي تُخِيفُكَ، وَلا يَدِي ثَقِيلَةٌ عَلَيْكَ.
8 حَقّاً قَدْ تَكَلَّمْتَ فِي أُذُنَيَّ فَاسْتَمَعْتُ إِلَى أَقْوَالِكَ. 9 أَنْتَ قُلْتَ: أَنَا نَقِيٌّ بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، أَنَا طَاهِرٌ لَا إِثْمَ فِيَّ، 10 إِنَّمَا اللهُ يَتَرَبَّصُ بِي لِيَجِدَ عِلَّةً عَلَيَّ وَيَحْسِبَنِي عَدُوّاً لَهُ، 11 يَضَعُ أَقْدَامِي فِي الْمِقْطَرَةِ، وَيَتَرَصَّدُ سُبُلِي.
12 وَلَكِنَّكَ مُخْطِئٌ فِي هَذَا، وَأَنَا الَّذِي أُجِيبُكَ. إِنَّ اللهَ أَعْظَمُ مِنَ الإِنْسَانِ، 13 فَمَا بَالُكَ تُخَاصِمُهُ قَائِلاً: إِنَّهُ لَنْ يُجِيبَ عَنْ تَسَاؤُلاتِي؟ 14 إِنَّ اللهَ يَتَكَلَّمُ بِطَرِيقَةٍ أَوْ بِأُخْرَى وَإِنْ كَانَ الإِنْسَانُ لَا يُدْرِكُهَا. 15 يَتَكَلَّمُ فِي حُلْمٍ، فِي رُؤْيَا اللَّيْلِ عِنْدَمَا يَغْشَى النَّاسَ سُبَاتٌ عَمِيقٌ. 16 عِنْدَئِذٍ يَفْتَحُ آذَانَ النَّاسِ وَيُرْعِبُهُمْ بِتَحْذِيرَاتِهِ، 17 لِيَصْرِفَ الإِنْسَانَ عَنْ خَطِيئَتِهِ وَيَسْتَأْصِلَ مِنْهُ الْكِبْرِيَاءَ، 18 لِيُنْقِذَ نَفْسَهُ مِنَ الْهَاوِيَةِ وَحَيَاتَهُ مِنَ الْهَلاكِ بِحَدِّ السَّيْفِ.
19 قَدْ يُقَوَّمُ الإِنْسَانُ بِالأَلَمِ عَلَى مَضْجَعِهِ، وَبِالأَوْجَاعِ النَّاشِبَةِ فِي عِظَامِهِ، 20 حَتَّى تَعَافَ حَيَاتُهُ الطَّعَامَ، وَشَهِيَّتُهُ لَذِيذَ الْمَأْكَلِ. 21 يَبْلَى لَحْمُهُ فَيَخْتَفِي عَنِ الْعَيَانِ، وَتَنْبَرِي عِظَامُهُ الَّتِي كَانَتْ خَافِيَةً مِنْ قَبْلُ. 22 تَدْنُو نَفْسُهُ مِنَ الْهَاوِيَةِ، وَحَيَاتُهُ مِنْ زَبَانِيَةِ الْمَوْتِ. 23 إِنْ وُجِدَ لَهُ مَلاكٌ، شَفِيعٌ، وَاحِدٌ مِنْ بَيْنِ أَلْفٍ، لِيُعْلِنَ لِلإِنْسَانِ مَا هُوَ صَالِحٌ لَهُ، 24 يتَرَأَّفُ عَلَيْهِ قَائِلاً: أَنْقِذْهُ يَا رَبُّ مِنَ الانْحِدَارِ إِلَى الْهَاوِيَةِ، فَقَدْ وَجَدْتُ لَهُ فِدْيَةً. 25 فَيَصِيرَ لَحْمُهُ أَكْثَرَ غَضَاضَةً مِن أَيَّامِ صِبَاهُ وَيَعُودَ إِلَى عَهْدِ رَيعَانِ شَبَابِهِ 26 عِنْدَئِذٍ يَدْعُو الْمَرْءُ اللهَ فَيَرْضَى عَنْهُ، وَيَمْثُلُ فِي حَضْرَتِهِ بِفَرَحٍ، وَيَرُدُّ لَهُ اللهُ بِرَّهُ، 27 ثُمَّ يُرَنِّمُ أَمَامَ النَّاسِ قَائِلاً: لَقَدْ أَخْطَأْتُ وَحَرَّفْتُ مَا هُوَ حَقٌّ وَلَمْ أُجَازَ عَلَيْهِ، 28 قَدِ افْتَدَى اللهُ حَيَاتِي مِنَ الانْحِدَارِ إِلَى الْهَاوِيَةِ، فَتَنْتَعِشُ حَيَاتِي لِتَرَى النُّورَ.
29 هَذَا كُلُّهُ يُجْرِيهِ اللهُ عَلَى الإِنْسَانِ مَرَّتَيْنِ وَثَلاثَ مَرَّاتٍ، 30 لِيَرُدَّ نَفْسَهُ عَنِ الْهَاوِيَةِ لِيَسْتَضِيءَ بِنُورِ الْحَيَاةِ. 31 فَأَصْغِ يَا أَيُّوبُ وَأَنْصِتْ إِلَيَّ. اُصْمُتْ وَدَعْنِي أَتَكَلَّمُ. 32 وَإِنْ كَانَ لَدَيْكَ مَا تَقُولُهُ فَأَجِبْنِي، تَكَلَّمْ، فَإِنِّي أَرْغَبُ فِي تَبْرِيرِكَ. 33 وَإلَّا فَأَصْغِ إِلَيَّ، أَنْصِتْ فَأُعَلِّمَكَ الْحِكْمَةَ».
34 وَأَضَافَ أَلِيهُو قَائِلاً: 2 «اسْتَمِعُوا إِلَى أَقْوَالِي أَيُّهَا الْحُكَمَاءُ، وَأَصْغُوا إِلَيَّ يَا ذَوِي الْمَعْرِفَةِ، 3 لأَنَّ الأُذُنَ تُمَحِّصُ الأَقْوَالَ كَمَا يَتَذَوَّقُ الْحَنَكُ الطَّعَامَ. 4 لِنَتَدَاوَلْ فِيمَا بَيْنَنَا لِنُمَيِّزَ مَا هُوَ أَصْوَبُ لَنَا، وَنَتَعَلَّمَ مَعاً مَا هُوَ صَالِحٌ.
5 يَقُولُ أَيُّوبُ: ’إِنِّي بَارٌّ، وَلَكِنَّ اللهَ قَدْ تَنَكَّرَ لِحَقِّي، 6 وَمَعَ أَنِّي مُحِقٌّ فَأَنَا أُدْعَى كَاذِباً، وَمَعَ أَنِّي بَرِيءٌ فَإِنَّ سَهْمَهُ أَصَابَنِي بِجُرْحٍ مُسْتَعْصٍ‘. 7 فَمَنْ هُوَ نَظِيرُ أَيُّوبَ الَّذِي يَجْرَعُ الْهُزْءَ كَالْمَاءِ، 8 يُوَاظِبُ عَلَى مُعَاشَرَةِ فَاعِلِي الإِثْمِ، وَيَأْتَلِفُ مَعَ الأَشْرَارِ، 9 لأَنَّهُ يَقُولُ: لَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ شَيْئاً مِنْ إِرْضَاءِ اللهِ.
10 لِذَلِكَ أَصْغُوا إِلَيَّ يَا ذَوِي الْفَهْمِ: حَاشَا لِلهِ أَنْ يَرْتَكِبَ شَرّاً أَوْ لِلْقَدِيرِ أَنْ يَقْتَرِفَ خَطَأً، 11 لأَنَّهُ يُجَازِي الإِنْسَانَ بِمُوْجِبِ أَعْمَالِهِ، وَبِمُقْتَضَى طَرِيقِهِ يُحَاسِبُهُ. 12 إِذْ حَاشَا لِلهِ أَنْ يَرْتَكِبَ شَرّاً، وَالْقَدِيرِ أَنْ يُعَوِّجَ الْقَضَاءَ. 13 مَنْ وَكَّلَ اللهَ بِالأَرْضِ؟ وَمَنْ عَهِدَ إِلَيْهِ بِالْمَسْكُونَةِ؟ 14 إِنِ اسْتَرْجَعَ رُوحَهُ إِلَيْهِ وَاسْتَجْمَعَ نَسَمَتَهُ إِلَى نَفْسِهِ 15 فَالْبَشَرُ جَمِيعاً يَفْنَوْنَ مَعاً، وَيَعُودُ الإِنْسَانُ إِلَى التُّرَابِ.
16 فَإِنْ كُنْتَ مِنْ أُولِي الْفَهْمِ، فَاسْتَمِعْ إِلَى هَذَا، وَأَنْصِتْ لِمَا أَقُولُ: 17 أَيُمْكِنُ لِمُبْغِضِ الْعَدْلِ أَنْ يَحْكُمَ؟ أَتَدِينُ الْبَارَّ الْقَدِيرَ؟ 18 الَّذِي يَقُولُ لِلْمَلِكِ: أَنْتَ عَدِيمُ الْقِيمَةِ، وَلِلنُّبَلاءِ: أَنْتُمْ أَشْرَارٌ؟ 19 الَّذِي لَا يُحَابِي الأُمَرَاءَ، وَلا يُؤْثِرُ الأَغْنِيَاءَ عَلَى الْفُقَرَاءِ، لأَنَّهُمْ جَمِيعاً عَمَلُ يَدَيْهِ. 20 فِي لَحْظَةٍ يَمُوتُونَ، تُفَاجِئُهُمُ الْمَنِيَّةُ فِي مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ، تَتَزَعْزَعُ الشُّعُوبُ فَيَفْنَوْنَ، وَيُسْتَأْصَلُ الأَعِزَّاءُ مِنْ غَيْرِ عَوْنٍ بَشَرِيٍّ، 21 لأَنَّ عَيْنَيْهِ عَلَى طُرُقِ الإِنْسَانِ وَهُوَ يُرَاقِبُ خَطْوَاتِهِ. 22 لَا تُوجَدُ ظُلْمَةٌ، وَلا ظِلُّ مَوْتٍ، يَتَوَارَى فِيهِمَا فَاعِلُو الإِثْمِ، 23 لأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ أَنْ يَفْحَصَ الإِنْسَانَ مَرَّةً أُخْرَى حَتَّى يَدْعُوهُ لِلْمُثُولِ أَمَامَهُ فِي مُحَاكَمَةٍ. 24 يُحَطِّمُ الأَعِزَّاءَ مِنْ غَيْرِ إِجْرَاءِ تَحْقِيقٍ، وَيُقِيمُ آخَرِينَ مَكَانَهُمْ 25 لِذَلِكَ هُوَ مُطَّلِعٌ عَلَى أَعْمَالِهِمْ، فَيُطِيحُ بِهِمْ فِي اللَّيْلِ فَيُسْحَقُونَ. 26 يَضْرِبُهُمْ لِشَرِّهِمْ عَلَى مَرْأَى مِنَ النَّاسِ، 27 لأَنَّهُمُ انْحَرَفُوا عَنِ اتِّبَاعِهِ، وَلَمْ يَتَأَمَّلُوا فِي طُرُقِهِ، 28 فَكَانُوا سَبَباً فِي ارْتِفَاعِ صُرَاخِ الْبَائِسِ إِلَيْهِ، وَاللهُ يَسْتَجِيبُ اسْتِغَاثَةَ الْمِسْكِينِ. 29 فَإِنْ هَيْمَنَ بِسَكِينَتِهِ فَمَنْ يَدِينُهُ؟ وَإِنْ وَارَى وَجْهَهُ فَمَنْ يُعَايِنُهُ؟ سَوَاءٌ أَكَانُوا شَعْباً أَمْ فَرْداً 30 لِكَيْ لَا يَسُودَ الْفَاجِرُ، لِئَلّا تَعْثُرَ الأُمَّةُ.
31 هَلْ قَالَ أَحَدٌ للهِ: لَقَدْ تَحَمَّلْتُ الْعِقَابَ فَلَنْ أَعُودَ إِلَى الإِسَاءَةِ؟ 32 عَلِّمْنِي مَا لَا أَرَاهُ، وَإِنْ كُنْتُ قَدْ أَثِمْتُ فَإِنَّنِي عَنْهُ أَرْتَدِعُ. 33 أَيُجْزِيكَ اللهُ إِذاً بِمُقْتَضَى رَأْيِكَ إِذَا رَفَضْتَ التَّوْبَةَ؟ لأَنَّ عَلَيْكَ أَنْتَ أَنْ تَخْتَارَ لَا أَنَا، فَأَخْبِرْنِي بِمَا تَعْرِفُ. 34 إِنَّ ذَوِي الْفَهْمِ يُعْلِنُونَ، وَالْحُكَمَاءَ الَّذِينَ يُنْصِتُونَ إِلَى كَلامِي يَقُولُونَ لِي: 35 إِنَّ أَيُّوبَ يَتَكَلَّمُ بِجَهْلٍ، وَكَلامُهُ يَفْتَقِرُ إِلَى التَّعَقُّلِ. 36 يَا لَيْتَ أَيُّوبَ يُمْتَحَنُ أَقْسَى امْتِحَانٍ، لأَنَّهُ أَجَابَ كَمَا يُجِيبُ أَهْلُ الشَّرِّ. 37 لَكِنَّهُ أَضَافَ إِلَى خَطِيئَتِهِ عِصْيَاناً، إِذْ يُصَفِّقُ بَيْنَنَا بِاحْتِقَارٍ، مُثَرْثِراً بِأَقْوَالٍ ضِدَّ اللهِ!»
35 وَقَالَ أَلِيهُو أَيْضاً: 2 «أَتَحْسِبُ هَذَا عَدْلاً؟ ثُمَّ تَقُولُ: إِنَّ هَذَا حَقِّي أَمَامَ اللهِ، 3 وَتَسْأَلُ: أَيَّةُ مَنْفَعَةٍ لِي؟ هَلْ أَكُونُ فِي حَالٍ أَفْضَلَ لَوْ لَمْ أُخْطِئْ؟ 4 سَأُجِيبُكَ أَنْتَ وَأَصْدِقَاءَكَ مَعَكَ: 5 انْظُرْ إِلَى السَّمَاوَاتِ وَتَأَمَّلْ: تَفَرَّسْ فِي السُّحُبِ الشَّامِخَةِ فَوْقَكَ. 6 إِنْ أَثِمْتَ فَمَاذَا يُؤَثِّرُ هَذَا فِيهِ؟ وَإِنْ كَثَّرْتَ خَطَايَاكَ فَأَيُّ شَيْءٍ يَلْحَقُ بِهِ؟ 7 وَإِنْ كُنْتَ بَارّاً فَمَاذَا تُعْطِيهِ؟ أَوْ مَاذَا يَأْخُذُ مِنْ يَدِكَ؟ 8 إِنَّ شَرَّكَ يُؤَثِّرُ فِي إِنْسَانٍ نَظِيرِكَ، وَبِرَّكَ يَفِيدُ فَقَطْ أَبْنَاءَ النَّاسِ.
9 لأَنَّ مِنْ كَثْرَةِ الْجَوْرِ يَسْتَغِيثُ الْمَظْلُومُونَ طَلَباً لِلْخَلاصِ مِنْ قَبْضَةِ الْعُتَاةِ، 10 وَلَكِنْ لَا أَحَدَ يَقُولُ: أَيْنَ اللهُ صَانِعِي، الْوَاهِبُ تَرْنِيماً فِي اللَّيْلِ، 11 الَّذِي عَلَّمَنَا أَكْثَرَ مِنْ وُحُوشِ الأَرْضِ، وَجَعَلَنَا أَعْظَمَ حِكْمَةً مِنْ طُيُورِ السَّمَاءِ. 12 يَسْتَغِيثُونَ بِهِ فَلا يُجِيبُ مِنْ جَرَّاءِ تَشَامُخِ الأَشْرَارِ 13 فَإِنْ كَانَ اللهُ لَا يَسْمَعُ لِصُرَاخِهِمِ الفَارِغِ، وَلا يَأْبَهُ القَدِيرُ لَهُ 14 فَكَمْ بِالأَحْرَى لَا يَسْمَعُ لَكَ عِنْدَمَا تَقُولُ إِنَّكَ لَا تَرَاهُ! لَكِنِ اصْبِرْ، فَدَعْوَاكَ أَمَامَهُ 15 وَالآنَ، لأَنَّهُ لَمْ يُجَازِ فِي غَضَبِهِ وَلَمْ يُبَالِ بِمُعَاقَبَةِ الإِثْمِ، 16 فَغَرَ أَيُّوبُ فَاهُ بِالْبَاطِلِ، وَأَكْثَرَ مِنَ الْكَلامِ بِجَهْلٍ!»
36 وَاسْتَطْرَدَ أَلِيهُو: 2 «تَحَمَّلْنِي قَلِيلاً فَأَزِيدَكَ اطِّلاعاً، فَمَازَالَ عِنْدِي مَا أَقُولُهُ نِيَابَةً عَنِ اللهِ، 3 لأَنِّي أَتَلَقَّى عِلْمِي مِنْ بَعِيدٍ وَأَعْزُو بِرّاً لِصَانِعِي. 4 حَقّاً إِنَّ كَلامِي صَادِقٌ، لأَنَّ الْكَامِلَ فِي الْمَعْرِفَةِ حَاضِرٌ مَعَكَ.
5 اللهُ قَدِيرٌ وَلَكِنَّهُ لَا يَحْتَقِرُ الإِنْسَانَ، هُوَ قَدِيرٌ عَظِيمُ الْقُدْرَةِ وَالْفَهْمِ. 6 لَا يُبْقِي عَلَى حَيَاةِ الشِّرِّيرِ إِنَّمَا يَقْضِي حَقَّ الْبَائِسِينَ. 7 لَا يَغُضُّ طَرْفَهُ عَنِ الصِّدِّيقِينَ، بَلْ يُقِيمُهُمْ مَعَ الْمُلُوكِ عَلَى الْعُرُوشِ إِلَى الأَبَدِ فَيَتَعَظَّمُونَ. 8 وَإِنْ رُبِطُوا بِالْقُيُودِ، وَوَقَعُوا فِي حِبَالِ الشَّقَاءِ، 9 عِنْدَئِذٍ يُبْدِي لَهُمْ أَفْعَالَهُمْ وَآثَامَهُمْ إِذْ سَلَكُوا بِغُرُورٍ. 10 يَفْتَحُ آذَانَهُمْ لِتَحْذِيرَاتِهِ، وَيَأْمُرُهُمْ بِالتَّوْبَةِ عَنْ إِثْمِهِمْ. 11 فَإِنْ أَطَاعُوا وَعَبَدُوهُ، يَقْضُونَ أَيَّامَهُمْ بِرَغْدٍ، وَسِنِيهِمْ بِالنِّعَمِ. 12 وَلَكِنْ إِنْ عَصَوْا فَبِحَدِّ السَّيْفِ يَهْلِكُوا، وَيَمُوتُوا مِنْ غَيْرِ فَهْمٍ. 13 أَمَّا فُجَّارُ الْقُلُوبِ فَيَذْخَرُونَ لأَنْفُسِهِمْ غَضَباً، وَلا يَسْتَغِيثُونَ بِاللهِ حِينَ يُعَاقِبُهُمْ. 14 يَمُوتُونَ فِي الصِّبَا بَيْنَ مَأْبُونِي الْمَعَابِدِ. 15 أَمَّا الْمُبْتَلَوْنَ فَيُنْقِذُهُمْ فِي بَلائِهِمْ، وَبِالضِّيقِ يَفْتَحُ آذَانَهُمْ.
16 يَجْتَذِبُكَ مِنَ الضِّيقِ إِلَى رَحْبٍ طَلِيقٍ، وَيَمْلأُ مَائِدَتَكَ بِالأَطْعِمَةِ الدَّسِمَةِ.
17 وَلَكِنَّكَ مُثْقَلٌ بِالدَّيْنُونَةِ الْوَاقِعَةِ عَلَى الأَشْرَارِ، فَالدَّعْوَى وَالْقَضَاءُ يُمْسِكَانِكَ. 18 فَاحْرِصْ لِئَلّا يُغْرِيَكَ الغَضَبُ بالسُّخْرِيَةِ، أَوْ تَصْرِفَكَ الرِّشْوَةُ الْعَظِيمَةُ عَنِ الحَقِّ 19 أَيُمْكِنُ لِثَرَائِكَ أَوْ لِجُهُودِكَ الْجَبَّارَةِ أَنْ تَدْعَمَكَ فَلا تَغْرَقَ فِي الْكَآبَةِ؟ 20 لَا تَتَشَوَّقْ إِلَى اللَّيْلِ حَتَّى تَجُرَّ النَّاسَ خَارِجاً مِنْ بُيُوتِهِمْ. 21 احْتَرِسْ أَنْ تَتَحَوَّلَ إِلَى الشَّرِّ، فَإِنَّ هَذَا مَا اخْتَرْتَهُ عِوَضاً عَنِ الشَّقَاءِ.
22 انْظُرْ، إِنَّ اللهَ يَتَمَجَّدُ فِي قُوَّتِهِ. أَيُّ مُعَلِّمٍ نَظِيرُهُ؟ 23 مَنْ سَنَّ لَهُ طُرُقَهُ أَوْ قَالَ لَهْ: لَقَدِ ارْتَكَبْتَ خَطَأً؟
24 لَا تَنْسَ أَنْ تُعَظِّمَ عَمَلَهُ الَّذِي يَتَغَنَّى بِهِ النَّاسُ. 25 لَقَدْ شَهِدَهُ النَّاسُ كُلُّهُمْ، وَتَفَرَّسُوا فِيهِ مِنْ بَعِيدٍ. 26 فَمَا أَعْظَمَ اللهَ! وَنَحْنُ لَا نَعْرِفُهُ، وَعَدَدُ سِنِيهِ لَا يُسْتَقْصَى. 27 لأَنَّهُ يَجْتَذِبُ قَطَرَاتِ الْمَاءِ، وَيَجْعَلُ سُحُبَهُ تَهْطِلُ أَمْطَاراً، 28 تَسْكُبُهَا السَّمَاوَاتُ وَتَصُبُّهَا بِغَزَارَةٍ عَلَى الإِنْسَانِ. 29 أَهُنَاكَ مَنْ يَفْهَمُ كَيْفَ تَنْتَشِرُ السُّحُبُ، وَكَيْفَ تُرْعِدُ سَمَاؤُهُ؟ 30 فَانْظُرْ كَيْفَ بَسَطَ بُرُوقَهُ حَوَالَيْهِ وَتَسَرْبَلَ بِلُجَجِ الْبَحْرِ. 31 هَكَذَا يُطْعِمُ اللهُ الشُّعُوبَ وَيُزَوِّدُهُمْ بِالْغِذَاءِ بِوَفْرَةٍ. 32 يَمْلأُ يَدَيْهِ بِالْبُرُوقِ وَيَأْمُرُهَا أَنْ تُصِيبَ الْهَدَفَ. 33 إِنَّ رَعْدَهُ يُنْذِرُ بِاقْتِرَابِ الْعَاصِفَةِ، وَحَتَّى الْمَاشِيَةُ تُنْبِئُ بِدُنُوِّهَا.
37 لِذَلِكَ يَرْتَعِدُ قَلْبِي وَيَثِبُ فِي مَوْضِعِهِ. 2 فَأَنْصِتْ، وَأَصْغِ إِلَى زَئِيرِ صَوْتِهِ، وَإِلَى زَمْجَرَةِ فَمِهِ. 3 يَسْتَلُّ بُرُوقَهُ مِنْ تَحْتِ كُلِّ السَّمَاوَاتِ وَيُرْسِلُهَا إِلَى جَمِيعِ أَقَاصِي الأَرْضِ، 4 فَتُدَوِّي زَمْجَرَةُ زَئِيرِهِ، وَيُرْعِدُ بِصَوْتِ جَلالِهِ، وَحِينَ تَتَرَدَّدُ أَصْدَاؤُهُ لَا يَكْبَحُ جِمَاحَهَا شَيْءٌ. 5 يُرْعِدُ اللهُ بِصَوْتِهِ صَانِعاً عَجَائِبَ وَآيَاتٍ تَفُوقُ إِدْرَاكَنَا. 6 يَقُولُ لِلثَّلْجِ اهْطِلْ عَلَى الأَرْضِ، وَلِلأَمْطَارِ: انْهَمِرِي بِشِدَّةٍ. 7 يُوْقِفُ كُلَّ إِنْسَانٍ عَنْ عَمَلِهِ، لِيُدْرِكَ كُلُّ النَّاسِ الَّذِينَ خَلَقَهُمْ حَقِيقَةَ قُوَّتِهِ. 8 فَتَلْجَأُ الْوُحُوشُ إِلَى أَوْجِرَتِهَا، وَتَمْكُثُ فِي مَآوِيهَا. 9 تُقْبِلُ الْعَاصِفَةُ مِنَ الْجَنُوبِ، وَالْبَرَدُ مِنَ الشِّمَالِ، 10 مِنْ نَسَمَةِ اللهِ يَتَكَوَّنُ الْجَلِيدُ، وَتَتَجَمَّدُ بِسُرْعَةٍ الْمِيَاهُ الْغَزِيرَةُ. 11 يَشْحَنُ السُّحُبَ الْمُتَكَاثِفَةَ بِالنَّدَى، وَيُبَعْثِرُ بَرْقَهُ بَيْنَهَا. 12 فَتَتَحَرَّكُ كَمَا يَشَاءُ هُوَ، لِتُنَفِّذَ كُلَّ مَا يَأْمُرُهَا بِهِ عَلَى وَجْهِ الْمَسْكُونَةِ. 13 يُرْسِلُهَا سَوَاءٌ لِلتَّأْدِيبِ أَوْ لأَرْضِهِ أَوْ رَحْمَةً مِنْهُ.
14 فَاسْتَمِعْ إِلَى هَذَا يَا أَيُّوبُ. وَتَوَقَّفْ وَتَأَمَّلْ فِي عَجَائِبِ اللهِ. 15 هَلْ تَدْرِي كَيْفَ يَتَحَكَّمُ اللهُ فِي السُّحُبِ، وَكَيْفَ يَجْعَلُ بُرُوقَهُ تُوْمِضُ؟ 16 هَلْ تَعْرِفُ كَيْفَ تَتَعَلَّقُ السُّحُبُ بِتَوَازُنٍ؟ هَذِهِ الْعَجَائِبُ الصَّادِرَةُ عَنْ كَامِلِ الْمَعْرِفَةِ! 17 أَنْتَ يَا مَنْ تَسْخُنُ ثِيَابُهُ عِنْدَمَا تَرِينُ سَكِينَةٌ عَلَى الأَرْضِ بِتَأْثِيرِ رِيحِ الْجَنُوبِ. 18 هَلْ يُمكِنُكَ مِثْلَهُ أَنْ تُصَفِّحَ الْجَلَدَ الْمُمْتَدَّ وَكَأَنَّهُ مِرْآةٌ مَسْبُوكَةٌ؟ 19 أَنْبِئْنَا مَاذَا عَلَيْنَا أَنْ نَقُولَ لَهُ، فَإِنَّنَا لَا نُحْسِنُ عَرْضَ قَضِيَّتِنَا بِسَبَبِ الظُّلْمَةِ (أَيِ الْجَهْلِ) 20 هَلْ أَطْلُبُ مِنَ اللهِ أَنْ أَتَكَلَّمَ مَعَهُ؟ أَيُّ رَجُلٍ يَتَمَنَّى لِنَفْسِهِ الْهَلاكَ؟ 21 لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُحَدِّقَ إِلَى النُّورِ عِنْدَمَا يَكُونُ مُتَوَهِّجاً فِي السَّمَاءِ، بَعْدَ أَنْ تَكُونَ الرِّيحُ قَدْ بَدَّدَتْ عَنْهُ السُّحُبَ. 22 يُقْبِلُ مِنَ الشِّمَالِ بَهَاءٌ ذَهَبِيٌّ، إِنَّ اللهَ مُسَرْبَلٌ بِجَلالٍ مُرْهِبٍ. 23 وَلا يُمْكِنُنَا إِدْرَاكُ الْقَدِيرِ، فَهُوَ مُتَعَظِّمٌ بِالْقُوَّةِ وَالْعَدْلِ وَالْبِرِّ وَلا يَجُورُ، 24 لِذَلِكَ يَرْهَبُهُ الْجَمِيعُ، لأَنَّهُ يَحْتَقِرُ أَدْعِيَاءَ الْحِكْمَةِ».
الله يتكلم
38 ثُمَّ قَالَ الرَّبُّ لأَيُّوبَ مِنَ الْعَاصِفَةِ: 2 «مَنْ ذَا الَّذِي يُظْلِمُ الْقَضَاءَ بِكَلامٍ مُجَرَّدٍ مِنَ الْمَعْرِفَةِ؟ 3 اشْدُدْ حَقَوَيْكَ كَرَجُلٍ لأَسْأَلَكَ فَتُجِيبَنِي 4 أَيْنَ كُنْتَ عِنْدَمَا أَسَّسْتُ الأَرْضَ؟ أَخْبِرْنِي إِنْ كُنْتَ ذَا حِكْمَةٍ. 5 مَنْ حَدَّدَ مَقَايِيسَهَا، إِنْ كُنْتَ حَقّاً تَعْرِفُ؟ أَوْ مَنْ مَدَّ عَلَيْهَا خَيْطَ الْقِيَاسِ؟ 6 عَلَى أَيِّ شَيْءٍ اسْتَقَرَّتْ قَوَاعِدُهَا؟ وَمَنْ وَضَعَ حَجَرَ زَاوِيَتِهَا؟ 7 بَيْنَمَا كَانَتْ كَوَاكِبُ السَّمَاءِ تَتَرَنَّمُ مَعاً وَمَلائِكَةُ اللهِ تَهْتِفُ بِفَرَحٍ.
8 مَنْ حَجَزَ الْبَحْرَ بِبَوَّابَاتٍ، عِنْدَمَا انْدَفَقَ مِنْ رَحِمِ الأَرْضِ، 9 حِينَ جَعَلْتُ السُّحُبَ لِبَاساً لَهُ وَالظُّلْمَةَ قِمَاطَهُ، 10 عِنْدَمَا عَيَّنْتُ لَهُ حُدُوداً، وَأَثْبَتُّ بَوَّابَاتِهِ وَمَغَالِيقَهُ فِي مَوَاضِعِهَا، 11 وَقُلْتُ لَهُ: إِلَى هُنَا تُخُومُكَ فَلا تَتَعَدَّاهَا، وَهُنَا يَتَوَقَّفُ عُتُوُّ أَمْوَاجِكَ؟
12 هَلْ أَمَرْتَ مَرَّةً الصُّبْحَ فِي أَيَّامِكَ، وَأَرَيْتَ الْفَجْرَ مَوْضِعَهُ، 13 لِيَقْبِضَ عَلَى أَكْنَافِ الأَرْضِ وَيَنْفُضَ الأَشْرَارَ مِنْهَا؟ 14 تَتَشَكَّلُ كَطِينٍ تَحْتَ الْخَاتَمِ، وَتَبْدُو مَعَالِمُهَا كَمَعَالِمِ الرِّدَاءِ. 15 يَمْتَنِعُ النُّورُ عَنِ الأَشْرَارِ، وَتَتَحَطَّمُ ذِرَاعُهُمُ الْمُرْتَفِعَةُ.
16 هَلْ غُصْتَ إِلَى يَنَابِيعِ الْبَحْرِ، أَمْ دَلَفْتَ إِلَى مَقَاصِيرِ اللُّجَجِ؟ 17 هَلِ اطَّلَعْتَ عَلَى أَبْوَابِ الْمَنِيَّةِ، أَمْ رَأَيْتَ بَوَّابَاتِ ظِلالِ الْمَوْتِ؟ 18 هَلْ أَحَطْتَ بِعَرْضِ الأَرْضِ؟ أَخْبِرْنِي إِنْ كُنْتَ بِكُلِّ هَذَا عَلِيماً.
19 أَيْنَ الطَّرِيقُ إِلَى مَقَرِّ النُّورِ، وَأَيْنَ مُسْتَقَرُّ الظُّلْمَةِ؟ 20 حَتَّى تَقُودَهَا إِلَى تُخُومِهَا وَتَعْرِفَ سُبُلَ مَسْكَنِهَا؟ 21 حَقّاً أَنْتَ تَعْرِفُهَا لأَنَّكَ آنَئِذٍ كُنْتَ قَدْ وُلِدْتَ وَعِشْتَ أَيَّاماً طَوِيلَةً!
22 هَلْ دَخَلْتَ إِلَى مَخَازِنِ الثَّلْجِ، أَمْ رَأَيْتَ خَزَائِنَ الْبَرَدِ، 23 الَّتِي ادَّخَرْتُهَا لأَوْقَاتِ الضِّيقِ، لِيَوْمِ الْمَعْرَكَةِ وَالْحَرْبِ؟ 24 مَا هُوَ السَّبِيلُ إِلَى مَوْضِعِ انْتِشَارِ النُّورِ، أَوْ أَيْنَ تَتَوَزَّعُ الرِّيحُ الشَّرْقِيَّةُ عَلَى الأَرْضِ؟ 25 مَنْ حَفَرَ قَنَوَاتٍ لِسُيُولِ الْمَطَرِ، وَمَمَرّاً لِلصَّوَاعِقِ، 26 لِيُمْطِرَ عَلَى أَرْضٍ مُقْفِرَةٍ لَا إِنْسَانَ فِيهَا، 27 لِيُرْوِيَ الأَرْضَ الْخَرِبَةَ، وَلِيَسْتَنْبِتَ الأَرْضَ عُشْباً؟
28 هَلْ لِلْمَطَرِ أَبٌ؟ وَمَنْ أَنْجَبَ قَطَرَاتِ النَّدَى؟ 29 وَمِنْ أَيِّ أَحْشَاءٍ خَرَجَ الْجَمَدُ، وَمَنْ وَلَدَ صَقِيعَ السَّمَاءِ؟ 30 تَتَجَلَّدُ الْمِيَاهُ كَحِجَارَةٍ وَيَتَجَمَّدُ وَجْهُ الْغَمْرِ.
31 هَلْ تَرْبِطُ سَلاسِلَ الثُّرَيَّا، أَمْ تَفُكُّ عُقَدَ الْجَوْزَاءِ؟ 32 هَلْ تَهْدِي كَوَاكِبَ الْمَنَازِلِ فِي فُصُولِهَا، أَمْ تَهْدِي النَّعْشَ مَعَ بِنَاتِهِ؟ 33 هَلْ تَعْرِفُ أَحْكَامَ السَّمَاوَاتِ، أَمْ أَسَّسْتَ سُلْطَتَهَا عَلَى الأَرْضِ؟ 34 هَلْ تَرْفَعُ صَوْتَكَ آمِراً الْغَمَامَ فَيَغْمُرَكَ فَيْضُ الْمِيَاهِ؟ 35 هَلْ فِي وُسْعِكَ أَنْ تُطْلِقَ الْبُرُوقَ فَتَمْضِيَ وَتَقُولَ لَكَ: هَا نَحْنُ طَوْعَ أَمْرِكَ؟ 36 مَنْ أَضْفَى عَلَى الْغُيُومِ حِكْمَةً وَأَنْعَمَ عَلَى الضَّبَابِ بِالْفَهْمِ؟ 37 مَنْ لَهُ الْحِكْمَةُ لِيُحْصِيَ النُّجُومَ، وَمَنْ يَصُبُّ الْمَاءَ مِنْ مَيَازِيبِ السَّمَاءِ، 38 حِينَ يَتَلَبَّدُ التُّرَابُ وَتَتَمَاسَكُ كُتَلُ الطِّينِ؟
عجائب عالم الحيوان
39 هَلْ تَصْطَادُ الْفَرِيسَةَ لِلَّبُؤَةِ، أَمْ تُشْبِعُ جُوعَ الأَشْبَالِ، 40 حِينَ تَتَرَبَّصُ فِي الْعَرَائِنِ وَتَكْمُنُ فِي أَوْجَارِهَا؟ 41 مَنْ يُزَوِّدُ الْغُرَابَ بِصَيْدِهِ إِذْ تَنْعَبُ فِرَاخُهُ مُسْتَغِيثَةً بِاللهِ، وَتَهِيمُ لاِفْتِقَارِهَا إِلَى الْقُوتِ؟
39 هَلْ تُدْرِكُ مَتَى تَلِدُ أَوْعَالُ الصُّخُورِ أَمْ تَرْقُبُ مَخَاضَ الأَيَائِلِ؟ 2 هَلْ تَحْسُبُ أَشْهُرَ حَمْلِهِنَّ، وَتَعْلَمُ مِيعَادَ وَضْعِهِنَّ، 3 حِينَ يَجْثُمْنَ لِيَضَعْنَ صِغَارَهُنَّ، وَيتَخَلَّصْنَ مِنْ آلامِ مَخَاضِهِنَّ؟ 4 تَكْبُرُ صِغَارُهُنَّ، وَتَنْمُو فِي الْقَفْرِ، ثُمَّ تَشْرُدُ وَلا تَعُودُ.
5 مَنْ أَطْلَقَ سَرَاحَ حِمَارِ الْوَحْشِ وَفَكَّ رُبُطَ حِمَارِ الْوَحْشِ؟ 6 لِمَنْ أَعْطَيْتُ الصَّحْرَاءَ مَسْكَناً وَالأَرْضَ الْمِلْحِيَّةَ مَنْزِلاً؟ 7 فَيَسْخَرَ مِنْ جَلَبَةِ الْمُدُنِ وَلا يَسْمَعَ نِدَاءَ السَّائِقِ؟ 8 يَرْتَادُ الْجِبَالَ مَرْعىً لَهُ، وَيَلْتَمِسُ كُلَّ مَا هُوَ أَخْضَرُ، 9 أَيَرْضَى الثَّوْرُ الْوَحْشِيُّ أَنْ يَخْدُمَكَ؟ أَيَبِيتُ عِنْدَ مِعْلِفِكَ؟ 10 أَتَرْبِطُهُ بِالنِّيرِ لِيَجُرَّ لَكَ الْمِحْرَاثَ، أَمْ يُمَهِّدُ الْوَادِي خَلْفَكَ؟ 11 أَتَتَّكِلُ عَلَيْهِ لِقُوَّتِهِ الْعَظِيمَةِ، وَتُكَلِّفُهُ الْقِيَامَ بِأَعْمَالِكَ؟ 12 أَتَثِقُ بِعَوْدَتِهِ حَامِلاً إِلَيْكَ حِنْطَتَكَ لِيُكَوِّمَهَا فِي بَيْدَرِكَ؟
13 يُرَفْرِفُ جَنَاحَا النَّعَامَةِ بِغِبْطَةٍ، وَلَكِنْ أَهُمَا جَنَاحَانِ مَكْسُوَّانِ بِرِيشِ الْمَحَبَّةِ؟ 14 فَهِيَ تَتْرُكُ بَيْضَهَا عَلَى الأَرْضِ لِيَدْفَأَ بِالتُّرَابِ، 15 وَتَنْسَى أَنَّ الْقَدَمَ قَدْ تَطَأُ عَلَيْهِ، وَأَنَّ بَعْضَ الْحَيَوَانَاتِ الْكَاسِرَةِ قَدْ تُحَطِّمُهُ. 16 إِنَّهَا تُعَامِلُ صِغَارَهَا بِقَسْوَةٍ كَأَنَّهَا لَيْسَتْ لَهَا، غَيْرَ آسِفَةٍ عَلَى ضَيَاعِ تَعَبِهَا، 17 لأَنَّ اللهَ قَدْ أَنْسَاهَا الْحِكْمَةَ، وَلَمْ يَمْنَحْهَا نَصِيباً مِنَ الْفَهْمِ. 18 وَلَكِنْ مَا إِنْ تَبْسُطُ جَنَاحَيْهَا، لِتَجْرِيَ حَتَّى تَهْزَأَ بِالْفَرَسِ وَرَاكِبِهِ!
19 أَأَنْتَ وَهَبْتَ الْفَرَسَ قُوَّتَهُ، وَكَسَوْتَ عُنُقَهُ عُرْفاً؟ 20 أَأَنْتَ تَجْعَلُهُ يَثِبُ كَجَرَادَةٍ؟ إنَّ نَخِيرَهُ الْهَائِلَ لَمُخِيفٌ. 21 يَشُقُّ الْوَادِي بِحَوَافِرِهِ، وَيَمْرَحُ فِي جَمِّ نَشَاطِهِ، وَيَقْتَحِمُ الْمَعَارِكَ. 22 يَسْخَرُ مِنَ الْخَوْفِ وَلا يَرْتَاعُ، وَلا يَتَرَاجَعُ أَمَامَ السَّيْفِ. 23 تَصِلُّ عَلَيْهِ جُعْبَةُ السِّهَامِ، وَأَيْضاً بَرِيقُ الرِّمَاحِ وَالْحِرَابِ. 24 فِي جَرْيِهِ يَنْهَبُ الأَرْضَ بِعُنْفُوَانٍ وَغَضَبٍ وَلا يَسْتَقِرُّ فِي مَكَانِهِ عِنْدَ نَفْخِ بُوقِ الْحَرْبِ. 25 عِنْدَمَا يُدَوِّي صَوْتُ الْبُوقِ يَقُولُ: هَهْ هَهْ! وَيَسْتَرْوِحُ الْمَعْرَكَةَ عَنْ بُعْدٍ، وَيَسْمَعُ زَئِيرَ الْقَادَةِ وَهُتَافَهُمْ.
26 أَبِحِكْمَتِكَ يُحَلِّقُ الصَّقْرُ وَيَفْرِدُ جَنَاحَيْهِ نَحْوَ الْجَنُوبِ؟ 27 أَبِأَمْرِكَ يُحَلِّقُ النَّسْرُ وَيَجْعَلُ وَكْرَهُ فِي الْعَلاءِ؟ 28 يُعَشِّشُ بَيْنَ الصُّخُورِ، وَيَبِيتُ فِيهَا وَعَلَى جُرْفٍ صَخْرِيٍّ يَكُونُ مَعْقَلُهُ. 29 مِنْ هُنَاكَ يَتَرَصَّدُ قُوتَهُ، وَتَرْقُبُ عَيْنَاهُ فَرِيسَتَهُ مِنْ بَعِيدٍ. 30 وَتَأْكُلُ فِرَاخُهُ أَيْضاً الدِّمَاءَ، وَحَيْثُ تَكُونُ الْجُثَثُ تَتَجَمَّعُ النُّسُورُ».
40 وَاسْتَطْرَدَ الرَّبُّ قَائِلاً لأَيُّوبَ: 2 «أَيُخَاصِمُ اللّائِمُ الْقَدِيرَ؟ لِيُجِبِ المُشْتَكِي عَلَى اللهِ».
3 عِنْدَئِذٍ أَجَابَ أَيُّوبُ الرَّبَّ:
4 «انْظُرْ، أَنَا حَقِيرٌ فَبِمَاذَا أُجِيبُكَ؟ هَا أَنَا أَضَعُ يَدِي عَلَى فَمِي 5 لَقَدْ تَكَلَّمْتُ مَرَّةً وَلَنْ أُجِيبَ، وَمَرَّتَيْنِ وَلَنْ أُضِيفَ».
6 حِينَئِذٍ أَجَابَ الرَّبُّ أَيُّوبَ مِنَ الْعَاصِفَةِ: 7 «اشْدُدْ حَقَوَيْكَ وَكُنْ رَجُلاً، فَأَسْأَلَكَ وَتُجِيبَنِي. 8 أَتَشُكُّ فِي قَضَائِي أَوْ تَسْتَذْنِبُنِي لِتُبَرِّرَ نَفْسَكَ؟ 9 أَتَمْلِكُ ذِرَاعاً كَذِرَاعِ اللهِ؟ أَتُرْعِدُ بِمِثْلِ صَوْتِهِ؟ 10 إِذاً تَسَرْبَلْ بِالْجَلالِ وَالْعَظَمَةِ، وَتَزَيَّنْ بِالْمَجْدِ وَالْبَهَاءِ. 11 صُبَّ فَيْضَ غَضَبِكَ، وَانْظُرْ إِلَى كُلِّ مُتَكَبِّرٍ وَاخْفِضْهُ. 12 انْظُرْ إِلَى كُلِّ مُتَعَظِّمٍ وَذَلّلْهُ، وَدُسِ الأَشْرَارَ فِي مَوَاضِعِهِمْ. 13 اطْمِرْهُمْ كُلَّهُمْ فِي التُّرَابِ مَعاً، وَاحْبِسْ وُجُوهَهُمْ فِي الْهَاوِيَةِ. 14 عِنْدَئِذٍ أَعْتَرِفُ لَكَ بِأَنَّ يَمِينَكَ قَادِرَةٌ عَلَى إِنْقَاذِكَ.
15 انْظُرْ إِلَى بَهِيمُوثَ (الْحَيَوَانِ الضَّخْمِ) الَّذِي صَنَعْتُهُ مَعَكَ، فَإِنَّهُ يَأْكُلُ الْعُشْبَ كَالْبَقَرِ.
16 إِنَّ قُوَّتَهُ فِي مَتْنَيْهِ، وَشِدَّتَهُ فِي عَضَلِ بَطْنِهِ. 17 يَنْتَصِبُ ذَيْلُهُ كَشَجَرَةِ أَرْزٍ، وَعَضَلاتُ فَخْذَيْهِ مَضْفُورَةٌ. 18 عِظَامُهُ أَنَابِيبُ نُحَاسٍ وَأَطْرَافُهُ قُضْبَانُ حَدِيدٍ، 19 إِنَّهُ أَعْجَبُ كُلِّ الْخَلائِقِ، وَلا يَقْدِرُ أَنْ يَهْزِمَهُ إِلّا الَّذِي خَلَقَهُ. 20 تَنْمُو الأَعْشَابُ الَّتِي يَتَغَذَّى بِها عَلَى الْجِبَالِ، حَيْثُ تَمْرَحُ وُحُوشُ الْبَرِّيَّةِ. 21 يَرْبِضُ تَحْتَ شُجَيْرَاتِ السِّدْرِ، وَبَيْنَ الْحَلْفَاءِ فِي الْمُسْتَنْقَعَاتِ. 22 يَسْتَظِلُّ بِشُجَيْرَاتِ السِّدْرِ، وَبِالصَّفْصَافِ عَلَى الْمِيَاهِ الْجَارِيَةِ 23 لَا يُخَامِرُهُ الْخَوْفُ إِنْ هَاجَ النَّهْرُ، وَيَظَلُّ مُطْمَئِنّاً وَلَوِ انْدَفَقَ نَهْرُ الأُرْدُنِّ فِي فَمِهِ. 24 مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَصْطَادَهُ مِنَ الأَمَامِ، أَوْ يَثْقُبَ أَنْفَهُ بِخِزَامَةٍ؟
41 أَيُمْكِنُ أَنْ تَصْطَادَ لَوِيَاثَانَ (الْحَيَوَانَ الْبَحْرِيَّ) بِشِصٍّ، أَوْ تَرْبِطَ لِسَانَهُ بِحَبْلٍ؟ 2 أَتَقْدِرُ أَنْ تَضَعَ خِزَامَةً فِي أَنْفِهِ، أَوْ تَثْقُبَ فَكَّهُ بِخُطَّافٍ؟ 3 أَيُكْثِرُ مِنْ تَضَرُّعَاتِهِ إِلَيْكَ أَمْ يَسْتَعْطِفُكَ؟ 4 أَيُبْرِمُ مَعَكَ عَهْداً لِتَتَّخِذَهُ عَبْداً مُؤَبَّداً لَكَ؟ 5 أَتُلاعِبُهُ كَمَا تُلاعِبُ الْعُصْفُورَ، أَمْ تُطَوِّقُهُ بِتُرْسٍ لِيَكُونَ لُعْبَةً لِفَتَيَاتِكَ؟ 6 أَيُسَاوِمُ عَلَيْهِ التُّجَّارُ، أَمْ يَتَقَاسَمُونَهُ بَيْنَهُمْ؟ 7 أَتَمْلأُ جِلْدَهُ بِالْحِرَابِ وَرَأْسَهُ بِأَسِنَّةِ الرِّمَاحِ؟ 8 إِنْ حَاوَلْتَ الْقَبْضَ عَلَيْهِ بِيَدِكَ فَإِنَّكَ سَتَذْكُرُ ضَرَاوَةَ قِتَالِهِ وَلا تَعُودُ تُقْدِمُ عَلَى ذَلِكَ ثَانِيَةً! 9 أَيُّ أَمَلٍ فِي إِخْضَاعِهِ قَدْ خَابَ، وَمُجَرَّدُ النَّظَرِ إِلَيْهِ يَبْعَثُ عَلَى الفَزَعِ. 10 لَا أَحَدَ يَمْلِكُ جُرْأَةً كَافِيَةً لِيَسْتَثِيرَهُ. فَمَنْ إِذاً، يَقْوَى عَلَى مُجَابَهَتِي؟ 11 لِمَنْ أَنَا مَدِينٌ فَأُوفِيَهُ؟ كُلُّ مَا تَحْتَ جَمِيعِ السَّمَاوَاتِ هُوَ لِي.
12 دَعْنِي أُحَدِّثُكَ عَنْ أَطْرَافِ لَوِيَاثَانَ وَعَنْ قُوَّتِهِ وَتَنَاسُقِ قَامَتِهِ. 13 مَنْ يَخْلَعُ كِسَاءَهُ أَوْ يَدْنُو مِنْ مُتَنَاوَلِ صَفَّيْ أَضْرَاسِهِ؟ 14 مَنْ يَفْتَحُ شَدْقَيْهِ؟ إِنَّ دَائِرَةَ أَسْنَانِهِ مُرْعِبَةٌ! 15 ظَهْرُهُ مَصْنُوعٌ مِنْ حَرَاشِفَ كَتُرُوسٍ مَصْفُوفَةٍ مُتَلاصِقَةٍ بِإِحْكَامٍ، وَكَأَنَّهَا مَضْغُوطَةٌ بِخَاتَمٍ، 16 مُتَلاصِقَةٌ لَا يَنْفُذُ مِنْ بَيْنِهَا الْهَوَاءُ، 17 مُتَّصِلَةٌ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، مُتَلَبِّدَةٌ لَا تَنْفَصِلُ. 18 عِطَاسُهُ يُوْمِضُ نُوراً، وَعَيْنَاهُ كَأَجْفَانِ الْفَجْرِ، 19 مِنْ فَمِهِ تَخْرُجُ مَشَاعِلُ مُلْتَهِبَةٌ، وَيَتَطَايَرُ مِنْهُ شَرَارُ نَارٍ، 20 يَنْبَعِثُ مِنْ مِنْخَرَيْهِ دُخَانٌ وَكَأَنَّهُ مِن قِدْرٍ يَغْلِي أَوْ مِرْجَلٍ. 21 يُضْرِمُ نَفَسُهُ الْجَمْرَ، وَمِنْ فَمِهِ يَنْطَلِقُ اللَّهَبُ. 22 فِي عُنُقِهِ تَكْمُنُ قُوَّةٌ، وَأَمَامَ عَيْنَيْهِ يَعْدُو الْهَوْلُ. 23 ثَنَايَا لَحْمِهِ مُحْكَمَةُ التَّمَاسُكِ، مَسْبُوكَةٌ عَلَيْهِ لَا تَتَحَرَّكُ. 24 قَلْبُهُ صُلْبٌ كَالصَّخْرِ، صَلْدٌ كَالرَّحَى السُّفْلَى. 25 عِنْدَمَا يَنْهَضُ يَدِبُّ الْفَزَعُ فِي الأَقْوِيَاءِ، وَمِنْ جَلَبَتِهِ يَعْتَرِيهِمْ شَلَلٌ. 26 لَا يَنَالُ مِنْهُ السَّيْفُ الَّذِي يُصِيبُهُ، وَلا الرُّمْحُ وَلا السَّهْمُ وَلا الْحَرْبَةُ. 27 يَحْسِبُ الْحَدِيدَ كَالْقَشِّ وَالنُّحَاسَ كَالْخَشَبِ النَّخِرِ. 28 لَا يُرْغِمُهُ السَّهْمُ عَلَى الْفِرَارِ، وَحِجَارَةُ الْمِقْلاعِ لَدَيْهِ كَالْقَشِّ. 29 الْهِرَاوَةُ فِي عَيْنَيْهِ كَالْعُصَافَةِ، وَيَهْزَأُ بِاهْتِزَازِ الرُّمْحِ الْمُصَوَّبِ إِلَيْهِ. 30 بَطْنُهُ كَقِطَعِ الْخَزَفِ الْحَادَّةِ. إِذَا تَمَدَّدَ عَلَى الطِّينِ يَتْرُكُ آثَاراً مُمَاثِلَةً لِآثَارِ النَّوْرَجِ. 31 يَجْعَلُ اللُّجَّةَ تَغْلِي كَالْقِدْرِ، وَالْبَحْرَ يَجِيشُ كَقِدْرِ الطِّيبِ. 32 يَتْرُكُ خَلْفَهُ خَطّاً مِنْ زَبَدٍ أَبْيَضَ، فَيُخَالُ أَنَّ الْبَحْرَ قَدْ أَصَابَهُ الشَّيْبُ. 33 لَا نَظِيرَ لَهُ فَوْقَ الأَرْضِ لأَنَّهُ مَخْلُوقٌ عَدِيمُ الْخَوْفِ. 34 يَحْتَقِرُ كُلَّ مَا هُوَ مُتَعَالٍ، وَهُوَ مَلِكٌ عَلَى ذَوِي الْكِبْرِيَاءِ».
Holy Bible, New Arabic Version (Ketab El Hayat) Copyright © 1988, 1997 by Biblica, Inc.® Used by permission. All rights reserved worldwide.