Bible in 90 Days
15 وَفِي تِلْكَ الأيَّامِ رَأيْتُ النَّاسَ فِي يَهُوذَا يَعْمَلُونَ فِي مَعَاصِرِ الخَمْرِ أيَّامَ السَّبْتِ وَيُحضِرُونَ أكْوَامًا مِنَ القَمْحِ وَالنَّبِيذِ وَالعِنبِ وَالتِّينِ وَكُلِّ أنْوَاعِ الثِّمَارِ، وَيَحْمِلُونَهَا عَلَى الحَمِيرِ. ثُمَّ يَجْلِبُونَهَا إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ فِي يَوْمِ السَّبْتِ. فَحَذَّرْتُهُمْ مِنَ المُتَاجَرَةِ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ.
16 وَكَانَ هُنَاكَ رِجَالٌ مِنْ صُورٍ سَاكِنُونَ فِي القُدْسِ يُحضِرُونَ إلَيْهَا السَّمَكَ وَكُلِّ أنْوَاعِ البَضَائِعِ، وَيَبِيعُونَهَا فِي السَّبْتِ لِلنَّاسِ فِي يَهُوذَا وَالقُدْسِ. 17 وَوَبَّخْتُ أشْرَافَ يَهُوذَا وَقُلْتُ لَهُمْ: «مَا هَذَا الشَّرُّ الَّذِي تَعْمَلُونَهُ وَتُدَنِّسُونَ بِهِ السَّبْتَ؟ 18 ألَمْ يَفْعَلْ آبَاؤُكُمْ هَذَا فَجَلَبَ إلَهُنَا كُلَّ هَذِهِ المَصَائِبِ عَلَيْنَا وَعَلَى هَذِهِ المَدِينَة؟ لَكِنَّكُمْ تَجْلِبُونَ مَزِيدًا مِنَ الغَضَبِ عَلَى شَعْبِ اللهِ بِعَدَمِ حِفْظِهِمُ السَّبْتَ.»
19 وَعِنْدَمَا بَدَأ الظَّلَامُ يَحِلُّ عِنْدَ بَوَّابَاتِ القُدْسِ قُبَيلَ حُلُولِ السَّبْتِ، أمَرْتُ بِإغلَاقِ البَوَّابَاتِ وَعَدَمِ فَتْحِهَا حَتَّى يَنْتَهِيَ السَّبْتُ. وَأوقَفْتُ بَعْضَ رِجَالِي عِنْدَ البَوَّابَاتِ حَتَّى لَا تَدْخُلَ أيَّةُ حُمُولَةٍ إلَى المَدِينَةِ يَوْمَ السَّبْتِ.
20 وَبَاتَ تُجَّارُ البَضَائِعِ المُختَلِفَةِ مَرَّةً أوْ مَرَّتَيْنِ لَيلَتَهُمْ خَارِجَ القُدْسِ. 21 فَحَذَّرْتُهُمْ وَقُلْتُ لَهُمْ: «لِمَاذَا تَبِيتُونَ أمَامَ السُّورِ؟ إنْ كَرَّرْتُمْ هَذَا الأمْرَ ثَانِيَةً فَسَأسْتَخْدِمُ القُوَّةَ ضِدَّكُمْ.» وَمُنْذُ ذَلِكَ الوَقْتِ لَمْ يَعُودُوا يَأْتُونَ يَوْمَ السَّبْتِ.
22 ثُمَّ قُلْتُ لِلَّاوِيِّينَ إنَّ عَلَيْهِمْ أنْ يَتَطَهَّرُوا وَيَذْهَبُوا لِيَحْرُسُوا البَوَّابَاتِ لِكَي يَحْفَظُوا يَوْمَ السَّبْتِ مُقَدَّسًا مُخَصَّصًا للهِ. فَاذْكُرْنِي يَا إلَهِي مِنْ أجْلِ هَذَا أيْضًا، وَتَرَأَفْ عَلَيَّ بِرَحْمَتِكَ الكَثِيرَةِ.
23 كَمَا رَأيْتُ فِي تِلْكَ الأيَّامِ رِجَالًا مِنْ يَهُوذَا تَزَوَّجُوا نِسَاءً مِنْ أشْدُودَ وَعَمُّونَ وَمُوآبَ. 24 وَكَانَ نِصْفُ أبْنَائِهِمْ يَتَكَلَّمُ لُغَةَ أشْدُودَ أوْ إحْدَى لُغَاتِ الأُمَمِ الأُخرَى، وَكَانُوا يَجْهَلُونَ لُغَةَ يَهُوذَا العِبْرِيَّةِ. 25 فَوَبَّخْتُ هَؤُلَاءِ الرِّجَالَ، وَقُلْتُ لَهُمْ إنَّهُمْ مُخطِئُونَ، وَلَعَنْتُهُمْ وَضَرَبْتُ بَعْضًا مِنْ رِجَالِهِمْ، وَشَدَدْتُ شَعْرَهُمْ، وَحَلَّفْتُهُمْ بِاسْمِ اللهِ. وَقُلْتُ: «لَا تُزَوِّجُوا بَنَاتَكُمْ مِنْ أبْنَائِهِمْ، وَلَا تَتَّخِذُوا لِأبْنَائِكُمْ أوْ لِأنفُسِكُمْ أيَّةَ بِنْتٍ مِنْ بَنَاتِهِمْ زَوْجَةً. 26 ألَمْ يُخطِئْ سُلَيْمَانُ مَلِكُ إسْرَائِيلَ بِسَبَبِ نِسَاءٍ كَهَؤُلَاءِ؟ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ بَيْنَ المُلُوكِ، وَأحَبَّهُ إلَهُهُ، وَجَعَلَهُ اللهُ مَلِكًا عَلَى كُلِّ شَعْبِ اللهِ. لَكِنَّ زَوْجَاتِهِ الأجنَبِيَّاتِ جَعَلْنَهُ يُخطِئُ إلَى اللهِ. 27 فَهَلْ نَسْمَعُ لَكُمْ وَنَرتَكِبُ هَذَا الشَّرَّ العَظِيمَ، وَنَخُونُ إلَهَنَا فَنَتَزَوَّجُ نِسَاءً غَرِيبَاتٍ؟»
28 وَكَانَ أحَدُ أبْنَاءِ يُويَادَاعَ بْنِ ألْيَاشِيبَ رَئِيسِ الكَهَنَةِ صِهْرًا لِسَنْبَلَّطَ الحُورُونِيِّ. فَطَرَدْتُهُ بَعِيدًا.
29 فَاذْكُرْنِي يَا إلَهِي وَعَاقِبْهُمْ، لِأنَّهُمْ دَنَّسُوا الكَهَنُوتَ وَعَهْدَ الكَهَنُوتِ اللَّاوِيِّ بِعَدَمِ طَاعَتِهِمْ. 30 فَطَهَّرْتُهُمْ مِنْ كُلِّ شَيءٍ أجنَبِيٍّ، وَحَدَّدْتُ وَاجِبَاتٍ وَمَسْؤُولِيَّاتٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الكَهَنَةِ. 31 كَمَا وَضَعْتُ تَرْتِيبَاتٍ لِتَقْدِمَةِ الخَشَبِ وَأوَّلِ الثِّمَارِ فِي مَوَاعِيدِهَا. فَاذْكُرْنِي بِعَطْفِكَ وَإحْسَانِكَ يَا إلَهِي.
عَظَمَةُ المَلكِ أحَشْوِيرُوش
1 وَقَعَتِ الأحْدَاثُ التَّالِيَةُ فِي أيَّامِ أحَشْوِيرُوشَ.[a] وَهُوَ المَلِكُ الَّذِي حَكَمَ مِنَ الهِندِ إلَى الحَبَشَةِ عَلَى مِئَةٍ وَسَبعٍ وَعِشرِينَ مُقَاطَعَةً. 2 حَكَمَ المَلِكُ أحَشْويِرُوشُ فِي تِلْكَ الأيَّامِ مِنْ عَرْشِ مُلكِهِ فِي قَصْرِ العَاصِمَةِ شُوشَنَ. 3 وَفِي السَّنَةِ الثَالِثَةِ مِنْ حُكْمِهِ، أقَامَ احْتِفَالًا لِكُلِّ ضُبَّاطِهِ وَوُزَرَائِهِ وَقَادَةِ جَيْشِ فَارِسَ وَمَادِي وَالنُّبَلَاءِ وَرُؤَسَاءِ البِلَادِ. 4 وَاسْتَمَرَّتِ الِاحْتِفَالَاتُ مِئَةً وَثَمَانِينَ يَومًا، أظْهَرَ فِيهَا غِنَى مَملَكَتِهِ العَظِيمَ، وَجَمَالَ وَرَوعَةَ مَجْدِ مُلكِهِ.
5 وَفِي نِهَايَةِ تِلْكَ الأيَّامِ، أقَامَ المَلِكُ وَلِيمَةً فِي سَاحَةِ حَدِيقَةِ المَنزِلِ الصَّيفِيِّ لِمُدَّةِ سَبْعَةِ أيَّامٍ، لِجَمِيعِ السَّاكِنِينَ فِي العَاصِمَةِ شُوشَنَ بِمُخْتَلِفِ طَبَقَاتِهِمْ. 6 كَانَتِ السَّاحَةُ مُزَيَّنَةً بَسَتَائِرَ كَتَّانِيَةٍ بَيْضَاءَ وَزَرْقَاءَ مُعَلَّقَةٍ عَلَى أعْمِدَةٍ رُخَامِيَّةٍ بِحِبَالٍ بَيْضَاءَ مِنْ كَتَّانٍ وَأُرْجُوانَ، وَبِحَلَقَاتٍ فِضِّيَةٍ. أمَّا المَقَاعِدُ فَمِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، وُضِعَتْ عَلَى أرْضِيَّةٍ مَرْصُوفَةٍ بِالمَرْمَرِ وَالرَّخَامِ السُّمَّاقِيِّ وَالقُزَحِيِّ وَالأسْوَدِ. 7 وَكَانَتِ المَشرُوبَاتُ تُقَدَّمُ فِي آنِيَةٍ ذَهَبِيَّةٍ، يَتَمّيَّزُ كُلٌّ مِنْهَا عَنِ الآخَرِ. فُقُدِّمَتِ الخُمُورُ المَلَكِيَّةُ بِوَفرَةٍ بَحَسَبِ سَخَاءِ المَلِكِ. 8 وَكَانَ شُرْبُ الخَمْرِ بِالأبَارِيقِ بِلَا قُيودٍ! إذْ أمَرَ المَلِكُ جَمِيعَ خُدَّامِ القَصرِ بِأنْ يُقَدِّمُوا لِلضُّيوفِ كُلَّ مَا يُرِيدُونَهُ.
عِصْيَانُ المَلِكَةِ وَشْتِي
9 كَمَا أقَامَتِ المَلِكَةُ وَشْتِي وَلِيمَةً لِكُلِّ النِّسَاءِ فِي قَصرِ المَلِكِ أحَشْوِيرُوشَ.
10 وَفِي اليَوْمِ السَّابِعِ، بَعْدَ أنْ فَرِحَ قَلْبُ المَلِكِ بِسَبَبِ الخَمْرِ، أمَرَ خُدَّامَهُ السَبعَةَ: مَهُومَانَ وَبِزْثَا وَحَرْبُونَا وَبِغْثَا وَأبَغْثَا وَزِيَثَارَ وَكَرْكَسَ، 11 بِأنْ يُحضِرُوا إلَيْهِ المَلِكَةَ وَشْتِي، وَهِيَ تَرْتَدِي التَّاجَ المَلَكِيَّ. فَقَدْ أرَادَ أنْ يَعْرِضَ جَمَالَهَا أمَامَ الشُّعُوبِ وَالمَسؤُولِينَ وَالضُّبَّاطِ، لِأنَّهَا كَانَتْ جَمِيلَةً جِدًا. 12 وَلَكِنَّ المَلِكَةَ وَشْتِي رَفَضَتِ المَجِئَ خِلَافًا لِأمْرِ المَلِكِ الَّذِي أرْسَلَهُ عَنْ طَرِيقِ خُدَّامِهِ. فَغَضِبَ المَلِكُ جِدًّا، وَاغتَاظَ غَيظًا شَدِيدًا. 13 وَاسْتَشَارَ المَلِكُ الحُكَمَاءَ العَارِفِينَ فِي شُؤونِ القَانُونِ – فَهَذَا مَا اعْتَادَ المَلِكُ أنْ يَفْعَلَهُ مَعَ الخُبَرَاءِ فِي مَا يَتَعَلَّقُ بِالأوَامِرِ وَالقَرَارَاتِ اليَوْمِيَّةِ. 14 وَكَانَ المُقَرَّبُونَ إلَيْهِ سَبعَةُ مَسؤولِينَ مِنْ فَارِسَ وَمَادِي هُمْ كَرْشَنَا وَشِيثَارَ وَأدْمَاثَا وَتَرْشِيشَ وَمَرَسُ وَمَرْسَنَا وَمَمُوكَانُ. وَهُمُ الرِّجَالُ البَارِزُونَ فِي المَمْلَكَةِ الَّذِينَ كَانَ يُسمَحُ لَهُمْ بِالدُّخُولِ مُبَاشَرَةً إلَى المَلِكِ. 15 فَقَالَ لَهُمُ المَلِكُ: «مَاذَا يَنْبَغِي أنْ نَفعَلَ بِالمَلِكَةِ وَشْتِي بِحَسَبِ القَانُونِ، فَهِيَ لَمْ تُنَفِّذْ مَا أمَرَ بِهِ المَلِكُ عَنْ طَرِيقِ خُدَّامِهِ؟»
16 فَقَالَ مَمُوكَانُ لِلمَلِكِ وَلِلمَسْؤُولِينَ: «لَمْ تُخْطِئِ المَلِكَةُ وَشْتِي إلَى المَلِكِ وَحْدَهُ، بَلْ إلَى كُلِّ المَسْؤُولِينَ وَجَمِيعِ النَّاسِ الَّذِينَ يَعِيشُونَ فِي بِلَادِ المَلِكِ أحَشْوِيرُوشَ. 17 فَسَيَصِلُ خَبَرُ مَا فَعَلَتْهُ المَلِكَةُ إلَى كُلِّ النِّسَاءِ، فَيَحْتَقِرنَ أزوَاجَهُنَّ. وَحِينَئِذٍ سَيُقَالُ: ‹أمَرَ المَلِكُ أحَشْوِيرُوشَ المَلِكَةَ وَشْتِي بِأنْ تَحْضُرَ أمَامَهُ، فَلَمْ تُطِعْ أمْرَهُ!› 18 بَلْ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، جَمِيعُ نِسَاءِ بِلَادِ فَارِسَ وَمَادِي اللَّوَاتِي سَمِعْنَ بِمَوْقِفِ المَلِكَةِ، سَيَتَمَرَّدْنَ عَلَى أزْوَاجِهِنَّ خُدَّامِ المَلِكِ. وَلَنْ تَهدأَ دَوَّامَةُ الِاحْتِقَارِ وَالغَضَبِ. 19 فَإنِ اسْتَحْسَنَ المَلِكُ، فَلْيُصْدِرْ مَرْسُومًا مَلَكِيًّا يُكْتَبُ فِي شَرَائِعِ مَادِي وَفَارِسَ، حَتّى لَا يُمكِنَ إبطَالُهُ، بِأنْ لَا تَدْخُلَ المَلِكَةُ وَشْتِي إلَى مَحْضَرِ المَلِكِ أحَشْوِيرُوشَ ثَانِيَةً، وَبِأنْ يُعطِيَ المَلِكُ مَنصِبَهَا المَلَكِيَّ لِامْرأةٍ أفْضَلَ مِنْهَا. 20 وَلْيُعلَنْ قَرَارُ المَلِكِ فِي جَمِيعِ أنْحَاءِ مَملَكَتِهِ وَعَلَى امْتِدَادِهَا! وَهَكَذَا تُكْرِمُ جَمِيعُ النِّسَاءِ أزْوَاجَهُنَّ، العُظَمَاءَ مِنْهُمْ وَغَيْرَ العُظَمَاءِ.»
21 فَاسْتَحْسَنَ المَلِكُ وَالمَسْؤولونَ هَذِهِ المَشُورَةَ. وَأخَذَ المَلِكُ بِاقْتِرَاحِ مَمُوكَانَ. 22 فَأرْسَلَ المَلِكُ رَسَائِلَ إلَى جَمِيعِ الأقَالِيمِ – كُلِّ إقْلِيمٍ بِحَسَبِ أُسلُوبِ كِتَابَتِهِ، وَكَلِّ شَعْبٍ بِحَسَبِ لُغَتِهِ – بِأنَّ كُلَّ رَجُلٍ هُوَ السَّيِّدُ فِي بَيْتِهِ. وَأمَرَ أنْ تُبَلَّغَ بِذَلِكَ جَمِيعُ الشّعُوبِ بِلُغَاتِهَا.
تَتْويجُ أسْتِير
2 وَحِينَ هَدَأ غَضَبُ المَلِكِ أحَشْوِيرُوشَ بَعْدَ هَذِهِ الأحْدَاثِ، تَذَكَّرَ وَشْتِي وَفِعلَتَهَا وَحُكمَهُ عَلَيْهَا. 2 فَقَالَ الفِتيَانُ الَّذِينَ يَخْدِمُونَهُ: «لِيُبْحَثْ لِلمَلِكِ عَنْ فَتَيَاتٍ عَذَارَى جَمِيلَاتٍ. 3 وَلِيُعَيِّنِّ المَلِكُ وُكَلَاءَ فِي كُلِّ بِلَادِ مَملَكَتِهِ، لِكَي يَجْمَعُوا العَذَارَى الجَمِيلَاتِ فِي جَنَاحِ الحَرِيمِ فِي قَصرِ العَاصِمَةِ شُوشَنَ تَحْتَ رِعَايَةِ هَيجَايَ خَادِمِ المَلِكِ المَسْؤولِ عَنْ شُؤُونِ نِسَائِهِ. وَلْتُوفَّرْ لَهُنَّ مَوَادُّ التَّجمِيلِ اللَّازِمَةُ. 4 وَالفَتَاةُ التِي تُعْجِبُ المَلِكَ، تَصِيرُ مَلِكَةً عِوَضًا عَنْ وَشْتِي.» فَاسْتَحْسَنَ المَلِكُ هَذِهِ الفِكرَةَ وَعَمِلَ بِهَا.
5 وَكَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ يَهُودِّيٌّ فِي العَاصِمَةِ شُوشَنَ اسْمُهُ مُردَخَايُ. وَهُوَ ابْنُ يَائِيرَ بْنِ شِمْعَى بْنِ قَيسٍ، مِنْ قَبِيلَةِ بَنْيَامِينَ. 6 وَقَدْ سُبِيَ مُردَخَايُ مِنَ القُدْسِ مَعَ الَّذِينَ أُسِرُوا مَعَ يَكُنيَا مَلِكِ يَهُوذَا، الَّذِي سَبَاهُ نَبُوخَذْنَاصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ. 7 وَكَانَ مُرْدَخَايُ يُرَبِّي فَتَاةً يَتِيمَةَ الأبَوَينِ اسْمُهَا هَدَسَّةُ – وَتُدْعَى أيْضًا أسْتِيرَ – وَهِيَ ابنَةُ عَمِّهِ. كَانَتِ الفَتَاةُ جَمِيلَةً جِدًّا، وَقَدْ تَبَنَّاهَا مُرْدَخَايُ عِنْدَمَا مَاتَ أبَوَاهَا.
8 فَلَّمَا تَمَّ إعلَانُ قَرَارِ المَلِكِ وَرِسَالَتُهُ، وَجُمِعَتْ فَتَيَاتٌ كَثِيرَاتٌ فِي قَصْرِ العَاصِمَةِ شُوشَنَ تَحْتَ رِعَايَةِ هَيجَايَ، أُخِذَت أسْتِيرُ أيْضًا إلَى قَصرِ المَلِكِ تَحْتَ رِعَايَةِ هَيجَايَ المَسْؤولِ عَنْ شُؤُونِ النِّسَاءِ. 9 فَحَظِيَتِ الفَتَاةُ بِرَضِى هَيجَايَ وَاسْتِحْسَانِهِ. فَسَارَعَ بِإعْطَائِهَا مَوَادَّ تَجْمِيلِهَا وَحِصَصَهَا مِنَ الطَّعَامِ. وَعَيَّنَ لَهَا أفْضَلَ سَبْعِ مُرَافِقَاتٍ مِنْ قَصرِ المَلِكِ. ثُمَّ نَقَلَهَا وَمُرَافِقَاتِهَا إلَى أفْضَلِ مَكَانٍ فِي جَنَاحِ الحَرِيمِ.
10 وَلَمْ تَذْكُر أسْتِيرُ شَيْئًا عَنْ شَعْبِهَا أوْ نَسَبِهَا، لِأنَّ مُرْدَخَايَ قَالَ لَهَا أنْ لَا تَفْعَلَ. 11 وَكَانَ مُرْدَخَايُ يَتَمَشَّى كُلَّ يَوْمٍ أمَامَ سَاحَةِ جَنَاحِ الحَرِيمِ، لِيَعْرِفَ كَيْفَ حَالُ أسْتِيرَ وَمَا يَحْدُثُ لَهَا.
12 وَكَانَ عَلَى كُلِّ فَتَاةٍ – قَبْلَ أنْ تُعْطَى دَورَهَا لِلدُّخُولِ إلَى مَحْضَرِ الَمَلِكِ – أنْ تُتِمَّ سَنَةً كَامِلَةً تَتَعَطَّرُ فِيهَا: سِتَّةَ أشْهُرٍ بِزَيْتِ المُرِّ، وَسِتَّةَ أشْهُرٍ بِالعُطُورِ وَمَوَادِّ تَجْمِيلِ النِّسَاءِ. 13 وَحِينَ يَأْتِي الوَقْتُ المُعَيَّنُ لِكُلِّ فَتَاةٍ لِلدُّخُولِ إلَى المَلِكِ، لَهَا أنْ تَأْخُذَ مَعَهَا أيَّ شَئٍ تَطْلُبُهُ مِنْ جَنَاحِ الحَرِيمِ إلَى قَصْرِ المَلِكِ. 14 فَتَدْخُلُ الفَتَاةُ إلَى القَصْرِ مَسَاءً، وَتَعُودُ صَبَاحًا إلَى جَنَاحٍ آخَرَ لِلحَرِيمِ تَحْتَ رِعَايَةِ شَعَشْغَازَ خَادِمِ المَلِكِ المَسْؤولِ عَنْ شُؤُونِ الجَوَارِي. وَلَا تَعُودُ الفَتَاةُ إلَى المَلِكِ ثَانِيَةً إلَّا إذَا سُرَّ بِهَا، وَدَعَاهَا بِاسْمِهَا.
15 وَعِنْدَمَا اقْتَرَبَ مَوعِدُ أسْتِيرَ لِلدُّخُولِ إلَى المَلِكِ – وَهِيَ بِنْتُ أبِيَحَايِلَ عَمِّ مُرْدَخَايَ الَّذِي تَبَنَّى أسْتِيرَ كَابنَةٍ لَهُ – لَمْ تَطْلُبْ أيَّ شَئٍ إلَا مَا أخْبَرَهَا بِهِ خَادِمُ المَلِكِ وَحَارِسُ النِّسَاءِ هَيجَايُ. فَنَالَتْ أسْتِيرُ استِحْسَانَ كُلَّ مَنْ رَآهَا. 16 وَفِي الشَّهْرِ العَاشِرِ – شَهْرِ طِيبِيتَ – مِنَ السَّنَةِ السَّابِعَةِ مِنْ حُكْمِ المَلِكِ أحَشْوِيرُوشَ، أُخِذَتْ أسْتِيرُ إلَى المَلِكِ أحَشْوِيرُوشَ.
17 وَأحَبَّ المَلِكُ أسْتِيرَ أكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ النِّسَاءِ، وَنَالَتِ استِحسَانَهُ وَرِضَاهُ أكْثَرَ مِنْ كُلِّ الفَتَيَاتِ، فَوَضَعَ التَّاجَ المَلَكِيَّ عَلَى رَأسِهَا وَجَعَلَهَا مَلِكَةً مَكَانَ وَشْتِي. 18 وَأقَامَ المَلِكُ وَلِيمَةً عَظِيمَةً لِكُلِّ رُؤَسَائِهِ وَخُدَّامِهِ، سُمِّيَتْ وَلِيمَةَ أسْتِيرَ. وَجَعَلَ المَلِكُ ذَلِكَ اليَوْمَ إجَازَةً لِكُلِّ النَّاسِ فِي كُلِّ البِلَادِ. وَوَزَّعَ هَدَايَا بِكَمِيَّاتٍ لَا يَسْتَطِيعُ تَوْزِيعَهَا إلَا المَلِكُ بِكَرَمِهِ.
كَشْفُ مُرْدَخَايَ لِلمُؤَامَرَة
19 وَفِي الوَقْتِ الَّذِي كَانَتْ تُجمَعُ فِيهِ الفَتَيَاتُ ثَانِيَةً، كَانَ مُرْدَخَايُ جَالِسًا عِنْدَ بَوَّابَةِ المَلِكِ كَعَادَتِهِ.
20 أمَّا أسْتِيرُ فَلَمْ تَكْشِفْ عَنْ نَسَبِهَا أوْ عَنْ شَعْبِهَا تَمَامًا كَمَا أمَرَهَا مُرْدَخَايُ. فَقَدْ عَمِلَتْ بِحَسَبِ تَعْلِيمَاتِهِ، كَمَا اعتَادَتْ وَهِيَ تَحْتَ رِعَايَتِهِ.
21 فِي ذَلِكَ اليَوْمِ – بَيْنَمَا كَانَ مُرْدَخَايُ جَالِسًا عِنْدَ بَوَّابَةِ المَلِكِ – غَضِبَ بِغْثَانُ وَتَرَشُ خَادِمَا المَلِكِ وَحَارِسَا البَوَّابَةِ، وَتَآمَرَا عَلَى اغتِيَالِ المَلِكِ أحَشْوِيرُوشَ. 22 فَعَلِمَ مُرْدَخَايُ بأمْرِ هَذِهِ المُوآمَرَةِ، وَأخبَرَ المَلِكَةَ أسْتِيرَ. فَنَقَلَتْ لِلمَلِكِ مَا قَالَهُ مُرْدَخَايُ. 23 وَتَمَّ التَحَقُقُ مِنَ الأمْرِ، وَثَبُتَتْ صِحَّتُهُ. وَهَكَذَا عُلِّقَ هَذَانِ الِاثْنَانِ عَلَى خَشَبَةٍ. وَدُوِّنَ هَذَا أمَامَ المَلِكِ فِي السِّجِلِّ الرَّسمِيِّ لِتَارِيخِ المَمْلَكَةِ.
خُطَّةُ هَامَانَ لِلقَضَاءِ عَلَى اليَهُود
3 بَعْدَ هَذِهِ الأحْدَاثِ، رَفَّعَ المَلِكُ أحَشْوِيرُوشُ هَامَانَ بْنَ هَمَدَاثَا الأجَاجِيَّ وَرَقَّاهُ، وَأعْطَاهُ مَركَزًا أعْلَى مِنْ كُلِّ الرُؤَسَاءِ الآخَرِينَ. 2 وَبِأمرٍ مِنَ المَلِكِ، كَانَ عَلَى كُلِّ الخُدَّامِ الَّذِينَ فِي القَصْرِ أنْ يَنْحَنُوا وَيَسْجُدُوا لِهَامَانَ. وَلَكِنَّ مُرْدَخَايَ رَفَضَ أنْ يَنْحَنِيَ وَيَسْجُدَ لِهَامَانَ.
3 فَقَالَ الخُدَّامُ الَّذِينَ فِي القَصرِ لِمُرْدَخَايَ: «لِمَاذَا لَا تُطِيعُ أمرَ المَلِكِ؟»
4 فَلَمْ يُصْغِ إلَيْهِمْ وَهُمْ يُكَلِّمُونَهُ يَومًا بَعْدَ يَوْمٍ، بَلْ قَالَ إنَّهُ يَهُودِيٌّ. فَأخبَرُوا هَامَانَ لِيَرَوْا إنْ كَانَ سَيقْبَلُ كَلَامَ مُرْدَخَايَ. 5 فَغَضِبَ هَامَانُ جَدًّا لَمَّا عَلِمَ أنَّ مُرْدَخَايَ لَا يَنْحَنِي وَلَا يَسْجُدُ لَهُ. 6 لَكِنَّ هَامَانَ لَمْ يُرِدْ أنْ يُعَاقِبَ مُرْدَخَايَ وَحْدَهُ، لِأنَّهُ عَرَفَ أنَّ مُرْدَخَايَ يَهُودِيٌّ. بَلْ أرَادَ أنْ يَقْتُلَ كُلَّ اليَهُودِ الَّذِينَ يَعِيشُونَ فِي مَمْلَكَةِ أحَشْوِيرُوشَ.
7 وَفِي الشَّهْرِ الأوَّلِ مِنَ السَّنَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ مِنُ حُكْمِ المَلِكِ أحَشْوِيرُوشَ، أُجرِيَتْ قُرعَةٌ بِحُضُورِ هَامَانَ لِتَعْيِينِ مَوْعِدٍ لِلقَضَاءِ عَلَى شَعْبِ مُرْدَخَايَ اليَهُودِيِّ. وَتَمَّ اختِيَارُ اليَوْمِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الثَّانِي عَشَرَ – شَهْرِ آذَارَ. 8 وَقَالَ هَامَانُ لِلمَلِكِ أحَشْوِيرُوشَ: «هُنَاكَ شَعْبٌ يَعِيشُ مُتَفَرِقًا مُشَتَّتًا بَيْنَ الشُّعُوبِ فِي كُلِّ مُقَاطَعَاتِ مَملَكَتِكَ. وَشَرَائِعُ هَذَا الشَّعْبِ تَخْتَلِفُ عَنْ شَرَائِعِ الشُّعُوبِ الأُخْرَى. فَهُمْ لَا يُطِيعُونَ شَرَائِعَ المَلِكِ! وَلَيْسَ مُلَائِمًا للمَلِكِ أنْ يَتْرُكَهُمْ وَشَأنَهُمْ. 9 فَإنِ استَحْسَنَ المَلِكُ، فَلْيُصدِرْ مَرْسُومًا بِقَتلِهِم جَمِيعًا. وَسَأدْفَعُ عَشْرَةَ آلَافِ قِنْطَارٍ مِنَ الفِضَّةِ لِلضُّبَّاطِ لِيَضَعُوهَا فِي خَزِينَةِ المَلِكِ.»
10 فَنَزَعَ المَلِكُ خَاتَمَهُ، وَأعْطَاهُ لِعَدُوِّ اليَهودِ هَامَانَ بْنِ هَمَدَاثَا الأجَاجِيِّ. 11 وَقَالَ المَلِكُ لِهَامَانَ: «احتَفِظْ بِالمَالِ وَافْعَلْ بِهَذَا الشَّعْبِ مَا تَرَاهُ مُنَاسِبًا.»
12 وَفِي اليَوْمِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الأوَّلِ، اسْتَدْعَى هَامَانُ كَتَبَةَ المَلِكِ. فَكَتَبُوا مَا أمَرَهُمْ بِهِ بِاسْمِ المَلِكِ أحَشْوِيرُوشَ وَخَتَمُوهُ بِخَاتَمِهِ. وَقَدْ أرسَلُوا هَذِهِ الكُتُبَ إلَى القَادَةِ وَإلَى حُكَّامِ البِلَادِ بِحَسَبِ أُسلُوبِ كِتَابَتِهِمْ، وَبِحَسَبِ لُغَةِ كُلِّ شَعْبٍ. 13 وَحَمَلَ الرُّسُلُ هَذِهِ الأوَامِرَ المَكْتُوبَةَ إلَى كُلِّ بِلَادِ المَلِكِ أحَشْوِيرُوشَ. حَيْثُ تَقْضِي هَذِهِ الأوَامِرُ بِأنْ يَتِمَّ القَضَاءُ عَلَى جَمِيعِ اليَهْودِ، وَقَتلُهُمْ وَإبَادَتُهُمْ كِبَارًا وَصِغَارًا، نِسَاءً وَأطْفَالًا، وَأنْ يُؤخَذَ كُلُّ مَا لَهُمْ غَنِيمَةً. وَأنْ يَتِمَّ هَذَا كُلُّهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، هُوَ اليَوْمُ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الثَّانِي عَشَرَ – شَهْرِ آذَارَ.
14 وَنُشِرَتْ نُسَخٌ مِنْ هَذَا القَرَارِ المَكْتُوبِ فِي كُلِّ البِلَادِ وَالمُقَاطَعَاتِ، وَأُعلِنَتْ لِكُلِّ الشُّعُوبِ وَذَلِكَ لِيَكُونُوا مُسْتَعِدِّينَ لِذَلِكَ اليَوْمِ. 15 وَبِأمرٍ مِنَ المَلِكِ، أسرَعَ الرُّسُلُ وَنَشَرُوا الأمْرَ فِي العَاصِمَةِ شُوشَنَ، حَتَّى اضَّطَرَبَ سُكَّانُهَا. أمَا المَلِكُ وَهَامَانُ فَقَدْ جَلَسَا لِيَشْرَبَا الخَمْرَ.
مُرْدَخَايُ يُقْنِعُ أسْتِيرَ بِمُسَاعَدَةِ شَعْبِهَا
4 وَحِينَ عَلِمَ مُرْدَخَايُ بَكُلِّ مَا حَدَثَ، مَزَّقَ ثِيَابَهُ، وَارتَدَى الخَيْشَ وَتَمَرَّغَ بِالرَّمَادِ، وَخَرَجَ إلَى وَسَطِ المَدِينَةِ وَنَاحَ بِمَرَارَةٍ. 2 ثُمَّ جَاءَ وَوَقَفَ أمَامَ بَوَّابَةِ المَلِكِ، فَلَمْ يُسْمَحْ لَهُ بِالدُّخُولِ. فَقَدْ كَانَ مَحْظُورًا أنْ يَدْخُلَ أحَدٌ إلَى المَلِكِ وَهُوَ يَلبَسُ الخَيْشَ.
3 وَحَزِنَ اليَهُودُ كَثِيرًا، وَصَامُوا وَبَكَوْا وَنَاحُوا وَلَبِسُوا الخَيْشَ وَتَمَرَّغُوا بِالرَّمَادِ فِي كُلِّ بِلَادِ المَلِكِ أحَشْوِيرُوشَ وَمُقَاطَعَاتِهِ التِي سَمِعَتْ بِالقَرَارِ.
4 وَأخْبَرَتِ الخَادِمَاتُ وَالخُدَّامُ أسْتِيرَ بِمَا حَدَثَ، فَاكتَأْبَتِ المَلِكَةُ وَاضْطَرَبَتْ. وَأرسَلَت لِمُرْدَخَايَ ثِيَابًا لِيَرْتَدِيَهَا بَدَلَ الخَيْشِ، وَلَكِنَّ مُرْدَخَايَ رَفَضَ ذَلِكَ. 5 فَاسْتَدْعَتْ أسْتِيرُ هَتَاخَ، وَهُوَ أحَدُ خُدَّامِ المَلِكِ عُيِّنَ خَادِمًا لِأسْتِيرَ، وَأمَرَتْهُ أنْ يَعْرِفَ مِنْ مُرْدَخَايَ مَا الَّذِي جَعَلَهُ يَفْعَلُ هَذَا. 6 فَخَرَجَ هَتَاخُ إلَى مُرْدَخَايَ فِي سَاحَةِ المَدِينَةِ المُقَابِلَةِ لِبَوَّابَةِ المَلِكِ. 7 فَأخْبَرَهُ مُرْدَخَايُ بِكُلِّ مَا حَصَلَ مَعهُ، وَبِأمْرِ المَالِ الَّذِي سَيَدْفَعُهُ هَامَانُ لِخَزِينَةِ المَلِكِ لِيَقْتُلَ اليَهُودَ. 8 وَأعْطَاهُ نُسْخَةً مِنَ القَرَارِ الَّذِي صَدَرَ فِي مَدِينَةِ شُوشَنَ بِخُصُوصِ قَتلِ اليَهُودِ، لِيُرِيَهِ لِأسْتِيرَ وَيَشْرَحَهُ لَهَا. وَأوصَى مُرْدَخَايُ أسْتِيرَ أنْ تَذْهَبَ إلَى المَلِكِ وَتَطْلُبَ مِنْهُ الرَّحمَةَ، وَأنْ تَتَوَسَّلَ إلَيْهِ مِنْ أجْلِ شَعْبِهَا.
9 فَذَهَبَ هَتَاخُ وَأخبَرَ أسْتِيرَ بِمَا قَالَهُ مُرْدَخَايَ. 10 فَأمَرَتْ أسْتِيرُ هَتَاخَ أنْ يَقُولَ لِمُرْدَخَايَ: 11 «كُلُّ خُدَّامَ المَلِكِ وَكُلُّ النَّاسِ فِي بِلَادِهِ يَعْرِفُونَ أنَّ عُقُوبَةَ مَنْ يَدْخُلُ إلَى المَلِكِ فِي مَجلِسِهِ دَونَ دَعوَةٍ هِيَ المَوْتُ. لَكِنْ إنْ مَدَّ المَلِكُ صَولَجَانَهُ الذَهَبيَّ نَحْوَ الَّذِي يَدْخُلُ إلَيْهِ بِلَا دَعْوةٍ، يُعْفَى عَنْهُ فَلَا يُقْتَلُ. وَلَكِنَّهُ لَمْ يَدْعُنِي لِلدُّخُولِ إلَيْهِ مُنْذُ ثَلَاثِينَ يَومًا.»
12 وَعِنْدَمَا سَمِعَ مُرْدَخَايُ جَوَابَ أسْتِيرَ، 13 أرْسَلَ إلَيْهَا رِسَالَةً قَالَ فِيهَا:
«لَا تَظُنِّي بأنَّكِ سَتَنْجِينَ مِنَ العِقَابِ لِأنَكِ تَعِيشِينَ فِي قَصرِ المَلِكِ. 14 إنْ لَمْ تَفْعَلِي شَيْئًا الآنَ، فَإنَّ إنْقَاذَ اليَهُودِ وَنَجَاتَهُم سَتَأْتِي مِنْ مَكَانٍ آخَرَ. أمَّا أنْتِ وَعَائِلَتُكِ فسَتَمُوتُونَ. وَمَنْ يَعْلَمُ، فَرُبَّمَا أصبَحْتِ مَلِكَةً لِأجْلِ وَقْتٍ مِثْلِ هَذَا.»
15 فَأرسَلَت أسْتِيرُ بِالرَّدِّ التَّالِي إلَى مُرْدَخَايَ:
16 «اجمَعْ كُلَّ اليَهُودِ الَّذِينَ فِي شُوشَنَ، وَصُومُوا مِنْ أجْلِي ثَلَاثَةَ أيَّامٍ وَثَلَاثَ لَيَالٍ، وَسَأصُومُ أنَا وَجَوَارِيَّ أيْضًا، ثُمَّ سَأدخُلُ إلَى المَلِكِ، عَلَى الرُّغمِ مِنْ أنَّ هَذَا يُخَالِفُ أمرَهُ. فَإذَا مِتُّ، فَليَكُنْ!»
17 فَذَهَبَ مُرْدَخَايُ وَفَعَلَ مَا أوْصَتْهُ بِهِ أسْتِيرُ.
دُخُولُ أسْتِيرَ إلَى المَلِك
5 وَفِي اليَوْمِ الثَالِثِ، لَبِسَتْ أسْتِيرُ ثِيَابَهَا المَلَكِيَّةَ، وَوَقَفَتْ فِي سَاحَةِ القَصرِ الدَّاخِلِيَّةِ. وَكَانَ المَلِكُ جَالِسًا عَلَى عَرشِهِ فِي المَسْكَنِ مُقَابِلَ سَاحَةِ القَصرِ الدَّاخِلِيَّةِ. 2 وَعِنْدَمَا رَأى المَلِكُ أسْتِيرَ وَاقِفَةً فِي المَسْكَنِ، نَالَتِ استِحْسَانَهُ، وَمَدَّ صَولَجَانَهُ الذَهَبِيَّ بِاتِجَاهِهَا، فَاقْتَرَبَتْ وَلَمَسَتِ الصَولَجَانَ.
3 فَقَالَ المَلِكُ لِأسْتِيرَ: «مَا الَّذِي يُضَايِقُكِ أيَّتُهَا المَلِكَةُ أسْتِيرُ؟ وَمَا هُوَ طَلَبُكِ؟ فَحَتَّى لَوْ طَلَبتِ نِصفَ مَملَكَتِي فَسَأُعْطِيهِ لَكِ.»
4 فَقَالَتْ أسْتِيرُ: «أرْجُو أنْ يَقْبَلَ المَلِكُ دَعْوَتِي بِأنْ يَأْتِيَ اليَوْمَ هُوَ وَهَامَانُ إلَى الوَلِيمَةِ التِي أعْدَدْتُهَا لِلمَلِكِ.»
5 فَقَالَ المَلِكُ: «استَدْعُوا هَامَانَ بِسُرعَةٍ، لِكَي نَعْمَلَ مَا طَلَبَتْهُ أسْتِيرُ.»
وَذَهَبَ المَلِكُ وَهَامَانُ إلَى الوَلِيمَةِ التِي أقَامَتْهَا أسْتِيرُ. 6 وَأثْنَاءَ شُربِ الخَمْرِ، قَالَ المَلِكُ لِأسْتِيرَ: «كُلُّ مَا تَتَمَنِّينَهِ سَيُعطَى لَكِ، وَكُلُّ مَا تَطْلُبِينَهُ سَتَأْخُذِينَهُ حَتَّى لَوْ كَانَ نِصفَ مَملَكَتِي.»
7 فَأجَابَت أسْتِيرُ: «أتُرِيدُ أنْ تَعْرِفَ أُمنِيَتِي وَطِلبَتِي؟ 8 إنْ نِلتُ اسْتِحسَانَ المَلِكِ، وَأرَادَ أنْ يُعْطِينِي طِلبَتِي، فَلِيَأْتِ هُوَ وَهَامَانُ إلَى الوَلِيمَةِ التِي سَأُعِدُّهَا لَهُمَا غَدًا. وَغَدًا سَأُخبِرُ المَلِكَ بِطِلبَتِي.»
هَامَانُ يَغْضَبُ مِنْ مُرْدَخَاي
9 فَخَرَجَ هَامَانُ فَرِحًا مُبتَهِجَ القَلْبِ فِي ذلِكَ اليَوْمِ. وَلَكِّنَّهُ غَضِبَ جِدًّا عِنْدَمَا رَأى مُرْدَخَايَ عِنْدَ بَوَّابَةِ المَلِكِ، لِأنَّ مُرْدَخَايَ لَمْ يَقِفِ احتِرَامًا لَهُ، وَلَمْ يُبْدِ خُوفًا مِنْهُ. 10 فَتَمَالَكَ هَامَانُ نَفْسَهُ وَعَادَ إلَى بَيْتِهِ. ثُمَّ دَعَا أصدِقَاءَهُ وَزَوْجَتَهُ زَرَشَ. 11 وَأخَذَ يَتَفَاخَرُ أمَامَهُمْ بِثَروَتِهِ، وَبِكَثرَةِ أبنَائِهِ، وَكَيْفَ أنَّ المَلِكَ رَقَّاهُ وَأعْطَاهُ مَركِزًا أعْلَى مِنْ كُلِّ رُؤَسَاءِ وَخُدَّامِ المَلِكِ. 12 وَقَالَ هَامَانُ: «لَمْ تَدْعُ المَلِكَةُ أسْتِيرُ أحَدًا غَيرِي مَعَ المَلِكِ إلَى الوَلِيمَةِ التِي أعَدَّتْهَا، وَقَدْ دَعَتْنِي غَدًا أيْضًا مَعَ المَلِكِ. 13 وَلَكِنَّ كُلَّ هَذَا لَا يَعْنِي لِي شَيْئًا وَأنَا أرَى مُرْدَخَايَ اليَهُودِيَّ جَالِسًا أمَامَ بَوَّابَةِ المَلِكِ.»
14 فَقَالَ لَهُ أصدِقَاؤُهُ وَزَوْجَتُهُ زَرَشُ: «جَهِّزْ عَمُودًا خَشَبِيًّا ارتِفَاعُهُ خَمْسُونَ ذِرَاعًا. وَفِي الصَّبَاحِ، اطلُبْ مِنَ المَلِكِ أنْ يُعَلَّقَ مُرْدَخَايَ عَلَيْهِ. ثُمَّ اذْهَبْ إلَى الوَلِيمَةِ وَابْتَهِجْ مَعَ المَلِكِ.»
فَأُعجِبَ هَامَانُ بِالفِكرَةِ، وَصَنَعَ العَمُودَ الخَشَبِيِّ.
إكْرَامُ مُرْدَخَاي
6 وَلَمْ يَسْتَطِعْ المَلِكُ أنْ يَنَامَ فِي تِلْكَ اللَّيلَةِ، فَطَلَبَ مِنْ خُدَّامِهِ أنْ يُحضِرُوا لَهُ السِّجِلَّ الرَّسمِيَّ لِتَارِيخِ المملَكَةِ. وَعِنْدَمَا قُرِئَ السِّجِلُّ أمَامَ المَلِكِ، 2 اكتَشَفَ أنَّ مُرْدَخَايَ هُوَ الَّذِي كَشَفَ أمْرَ بَغْثَانَا وَتَرَشَ خَادِمَي المَلِكِ وَحَارِسَي بَوَّابَةِ المَلِكِ اللَّذَيْنِ تَآمَرَا عَلَى اغتِيَالِ المَلِكِ أحَشْوِيرُوشَ.
3 فَقَالَ المَلِكُ: «بِمَاذَا أكْرَمْنَا مُرْدَخَايَ وَكَافأنَاهُ لِعَمَلِهِ هَذَا؟»
فَأجَابَهُ الخُدَّامُ: «لَمْ نَفعَلَ لَهُ أيُّ شَئٍ!»
4 فَقَالَ المَلِكُ: «مَنْ هَذَا الَّذِي فِي سَاحَةِ القَصْرِ؟» وَكَانَ هَامَانُ قَدْ دَخَلَ لِتَوِّهِ لِيَطْلُبَ مِنَ المَلِكِ أنْ يُعَلِّقَ مُرْدَخَايَ عَلَى العَمُودِ الخَشَبِيِّ الَّذِي جَهَّزَهُ لَهُ.
5 فَقَالَ الرِّجَالُ الَّذِينَ يَخْدِمُونَ المَلِكَ: «هَذَا هَامَانُ فِي سَاحَةِ القَصرِ.»
فَقَالَ المَلِكُ: «أدْخِلُوهُ.»
6 فَدَخَلَ هَامَانُ، فَقَالَ لَهُ المَلِكُ: «مَاذَا يُصْنَعُ لِمَنْ يُرِيدُ المَلِكُ أنْ يَكْرِمَهُ؟»
فَقَالَ هَامَانُ فِي نَفْسِهِ: «لَا أحَدَ يَسْتَحِقُّ أنْ يُكْرِمَهُ المَلِكُ سِوَايَ!» 7 وَقَالَ هَامَانُ لِلمَلِكِ: «سَأُخْبِرُكَ مَا يُصْنَعُ لِمَنْ يُرِيدُ المَلِكُ أنْ يَكْرِمَهُ. 8 يُعْطَى ثِيَابًا مَلَكِيَّةً مِنَ الَّتِي كَانَ يَرْتَدِيهَا المَلِكُ، وَحِصَانًا كَانَ المَلِكُ قَدْ رَكِبَ عَلَيْهِ، وَيوضَعُ تَاجٌ عَلَى رَأسِهِ. 9 تُوضَعْ هَذِهِ الثِّيَابُ وَالحِصَانُ فِي عُهدَةِ وَاحِدٍ مِنْ أنبَلِ الرُؤَسَاءِ عِنْدَ المَلِكِ. ثُمَّ يُلْبِسُ الرُّؤَسَاءُ الرَّجُلَ الَّذِي يُرِيدُ المَلِكُ أنْ يُكرِمَهُ، وَيُركِبُونَهُ عَلَى الحِصَانِ لِيَتَجَوَّلَ فِي سَاحَاتِ المَدِينَةِ، بَيْنَمَا هُمْ يَهْتِفُونَ: ‹هَذَا مَا يَنَالُهُ مَنْ يُرِيدُ المَلِكُ أنْ يُكرِمَهُ.›»
10 فَقَالَ المَلِكُ لِهَامَانَ: «إذَنْ أسرِعْ وَخُذِ الثِّيَابَ وَالحِصَانَ كَمَا قُلْتَ، وَافْعَلْ هَذَا لِمُرْدَخَايَ اليَهُودَيِّ، الَّذِي يَجْلِسُ عِنْدَ بَوَّابَةِ المَلِكِ. وَلَا تَنْسَ شَيْئًا مِنَ الأشْيَاءِ التِي قُلْتَهَا.»
11 فَأخَذَ هَامَانُ الثِّيَابَ وَألبَسَهَا لِمُرْدَخَايَ، وَأركَبَهُ عَلَى الحِصَانِ وَتَجَوَّلَ بِهِ فِي كُلِّ المَدِينَةِ. وَأعلَنَ هَامَانُ: «هَذَا مَا يَنَالُهُ مَنْ يُرِيدُ المَلِكُ أنْ يُكرِمَهُ.»
12 ثُمَّ عَادَ مُرْدَخَايُ إلَى بَوَّابَةِ المَلِكِ. أمَّا هَامَانُ فَقَدْ عَادَ مُسرِعًا إلَى بَيْتِهِ وَهُوَ يَشْعُرُ بِاليَأْسِ وَالخِزيِ. 13 وَأخْبَرَ زَوْجَتَهُ زَرَشَ وَأصدِقَاءَهُ بِكُلِّ مَا حَدَثَ. فَقَالَ لَهُ مُسْتَشَارُوهُ وَزَوْجَتُهُ: «إذَا كَانَ مُرْدَخَايُ الَّذِي بَدَأتَ تَنْهَزِمُ أمَامَهُ يَهُودِيًّا بِالفِعْلِ، فَإنَّكَ لَنْ تَنْتَصِرَ عَلَيْهِ، بَلْ سَتُهزَمُ أمَامَهُ بِالتَأْكِيدِ.» 14 وَبَيْنَمَا هُمْ يَتَكَلَّمُونَ وَصَلَ خُدَّامُ المَلِكِ، وَاصطَحَبُوا هَامَانَ إلَى الوَلِيمَةِ التِي أعَدَّتهَا أسْتِيرُ.
قَتْلُ هَامَانَ
7 فَذَهَبَ المَلِكُ وَهَامَانُ إلَى الوَلِيمَةِ التِي أعَدَّتهَا المَلِكَةُ أسْتِيرُ. 2 وَفِي اليَوْمِ التَّالِي، سَألَ المَلِكُ أسْتِيرَ ثَانِيَةً كَمَا فَعَلَ فِي اليَوْمِ الأوَّلِ لِلوَلِيمَةِ: «مَا هِيَ أُمنِيَتُكِ أيَّتُهَا المَلِكَةُ أسْتِيرُ؟ فَسَأُعْطِيهَا لَكِ، وَمَا هِيَ طِلبَتُكِ؟ حَتَّى لَوْ طَلَبتِ نِصْفَ مَملَكَتِي فَسَأُعْطِيكِ مَا تَطْلُبِينَ.»
3 فَأجَابَتِ المَلِكَةُ أسْتِيرُ: «إنْ رَضِيتَ أيُّهَا المَلِكُ وَاستَحْسَنتَ الأمْرَ، فَإنَّ أُمنِيَتِي أنْ تَتْرُكَنِي أعِيشُ، وَطِلبَتِي أنْ تَتْرُكَ شَعْبِي يَعِيشُ. 4 لَقَد تَمَّ بَيعِي أنَا وَشَعْبِي لِكَي نَهلِكَ وَنُقتَلَ وَنُبَادَ. وَلَوْ تَمَّ بَيعُنَا رِجَالًا وَنِسَاءً كَعَبِيدٍ لَمَا قُلْتُ شَيْئًا، فَمِثْلُ هَذَا الضَرَرِ لَا يَسْتَحِقُّ إزعَاجَ المَلِكِ.»
5 فَقَالَ المَلِكُ أحَشْوِيرُوشَ لِلمَلِكَةِ أسْتِيرَ: «مَنْ هَذَا الَّذِي يُفَكِّرُ بِعَمَلِ شَيءٍ كَهَذَا؟ وَأينَ هُوَ؟»
6 أجَابَتْ أسْتِيرُ: «هَذَا العَدُّوُّ الشِرِّيرُ هُوَ هَامَانُ.» فَارْتَعَدَ هَامَانُ أمَامَ المَلِكِ وَالمَلِكَةِ.
7 فَقَامَ المَلِكُ غَاضِبًا وَخَرَجَ إلَى الحَدِيقَةِ تَارِكًا شَرَابَهُ. فَوَقَفَ هَامَانُ يَتَوَسَّلُ إلَى المَلِكَةِ أسْتِيرَ لِكَي تُنْقِذَ حَيَاتَهُ، لِأنَّهُ عَرَفَ أنَّ المَلِكَ سَيُعَاقِبُهُ.
8 وَإذْ رَجِعَ المَلِكُ مِنَ الحَدِيقَةِ إلَى قَاعَةِ الوَلِيمَةِ، وَجَدَ هَامَانَ مُنْطَرِحًا عَلَى الأَرِيكَةِ الَّتِي تَتَكِئُ عَلَيْهَا أسْتِيرُ. فَقَالَ المَلِكُ بِغَضَبٍ: «أيُهَاجِمُ المَلِكَةَ فِي حَضْرَتِي وَفِي بَيْتِي؟»
وَقَبْلَ أنْ يُكْمِلَ المَلِكُ جُملَتَهُ، تَمَّ قَتلُ هَامَانَ. 9 فَقَالَ أحَدُ خُدَّامِ المَلِكِ وَاسْمُهُ حَرْبُونَا: «أعَدَّ هَامَانُ عَمُودًا خَشَبِيًّا ارتِفَاعُهُ خَمْسُونَ ذِرَاعًا[b] لِمُرْدَخَايَ – الَّذِي نَبَّهَ المَلِكَ وَأنقَذَهُ. وَمَا يَزَالُ ذَلِكَ العَمُودُ مَكَانَهُ فِي بَيْتِ هَامَانَ.»
فَقَالَ المَلِكُ: «عَلِّقُوا هَامَانَ عَلَيْهِ.»
10 فَعَلَّقُوا هَامَانَ عَلَى العَمُودِ الخَشَبِيِّ الَّذِي أعَدَّهُ لِمُرْدَخَايَ. وَهَكَذَا هَدَأ غَضَبُ المَلِكِ.
الأمْرُ المَلَكِيُّ بِمُسَاعَدَةِ اليَهُود
8 وَفِي ذَلِكَ اليَوْمِ، سَلَّمَ المَلِكُ أحَشْوِيرُوشُ لِلمَلِكَةِ أسْتِيرَ كُلَّ مُمْتَلَكَاتِ عَدُوِّ اليَهُودِ هَامَانُ. أمَّا مُرْدَخَايُ فَقَدْ جَاءَ لِيُقَابِلَ المَلِكَ، بَعْدَ أنْ أخْبَرَتْ أسْتِيرُ المَلِكَ عَنْ صِلَةِ قَرَابَتِهَا بِهِ. 2 فَنَزَعَ المَلِكُ خَاتَمَهُ الَّذِي استَرَدَّهُ مِنْ هَامَانَ وَأعْطَاهُ لِمُرْدَخَايَ. أمَّا أسْتِيرُ فَقَدْ أوْكَلَتْ لِمُرْدَخَايَ مَهَمَّةَ الإشْرَافِ عَلَى مُمتَلَكَاتِ هَامَانَ. 3 ثُمَّ تَكَلَّمَتْ أسْتِيرُ مَرَّةً أُخْرَى مَعَ المَلِكِ، وَسَجَدَتْ أمَامَهُ، وَبَكَتْ وَطَلَبَتْ وَقْفَ شَرِّ هَامَانَ الأجَاجِيِّ، وَمُؤَامَرَتِهِ ضِدَّ اليَهُودِ. 4 فَمَدَّ المَلِكُ صَولَجَانَهُ الذَهَبِيِّ نَحْوَ أسْتِيرَ. 5 فَوَقَفَتْ أستِيرُ أمَامَ المَلِكِ وَقَالَتْ: «إنْ شَاءَ المَلِكُ وَرَضِيَ عَنِّي، وَاستَحْسَنَ رَأيِي وَوَافَقَ عَلَيْهِ، فَلْيُصْدِرْ أمْرًا يُلغِي فِيهِ أمرَ هَامَانَ بْنِ هَمَدَاثَا الأجَاجِيَّ الَّذِي أصدَرَهُ لِيَقْضِيَ عَلَى اليَهُودِ فِي كُلِّ مُقَاطَعَاتِ المَلِكِ. 6 لِأنَّهُ كَيْفَ أسْتَطِيعُ رؤْيَةَ شَعْبِي يَتألّمُ، وَكَيْفَ أسْتَطِيعُ احتِمَالَ رُؤْيَةِ أفرَادَ عَائِلَتِي يَمُوتُونَ؟»
7 فَقَالَ المَلِكُ أحَشْوِيرُوشَ لِلمَلِكَةِ أسْتِيرَ وَلِمُرْدَخَايَ اليَهُودِيِّ: «قَدْ سَلَّمْتُ لِأسْتِيرَ كُلَّ مُمتَلَكَاتِ هَامَانَ، لِأنَّهُ تآمَرَ لِقَتلِ اليَهُودِ. وَهَا هُوَ قَدْ عُلِّقَ عَلَى العَمُودِ الخَشَبِيِّ. 8 فَاكتُبَا بِاسْمِ اليَهُودِ مَا تَرَيَانِهِ مُنَاسِبًا لَهُمْ، وَاختِمَاهُ بِخَاتَمِ المَلِكِ، لِأنَّهُ لَا يُمْكِنُ إلغَاءُ أمْرٍ يُصدَرُ بِأمْرِ المَلِكِ وَيُختَمُ بِخَاتَمِهِ.»
9 وَفِي اليَوْمِ الثَالِثِ وِالعِشرِينَ مِنَ الشَّهْرِ الثَّالِثِ – شَهْرِ سِيوَانَ – استَدْعَى مُرْدَخَايُ كُتَّابَ المَلِكِ، فَكَتَبُوا مَا أمَرَهُمْ بِهِ مُرْدَخَايُ تَمَامًا إلَى كُلِّ اليَهُودِ وَالحُكَّامِ وَرؤَسَاءِ البِلَادِ. وَعَدَدُ تِلْكَ البِلَادِ مِئةٌ وَسَبْعَةٌ وَعِشرُونَ إقْلِيمًا وَبَلَدًا، تَمْتَدُّ مِنَ الهِنْدِ حَتَّى الحَبَشَةِ. وَقَدْ كَتَبُوا إلَى كُلِّ إقْلِيمٍ وَبَلَدٍ بِحَسَبِ أُسلُوبِ كِتَابَتِهِ، وَإلَى كُلِّ شَعْبٍ بِحَسَبِ لُغَتِهِ، وَإلَى اليَهُودِ بِحَسَبِ أُسلُوبِ كِتَابَتِهِمْ وَبِحَسَبِ لُغَتِهِمْ.
10 وَكَتَبَ مُرْدَخَايُ كُلَّ الأوَامِرِ بِاسْمِ المَلِكِ أحَشْوِيرُوشَ وَخَتَمَهَا بِخَاتَمِهِ. ثُمَّ أرْسَلَهَا مَعَ الرُّسُلِ عَلَى ظَهْرِ الخُيُولِ المَلَكِيَّةِ السَّرِيعَةِ. 11 وَتَضَمَّنَتِ الرَسَائِلُ إذْنًا مِنَ المَلِكِ لِليَهُودِ فِي كُلِّ المُدُنِ بِأنْ يَتَوَحَّدُوا لِيُدَافِعُوا عَنْ أرْوَاحِهِمْ. وَأنْ يَقْضُوا عَلَى أيَّةِ قُوَّةٍ مُسَلَّحَةٍ لِأيِّ شَعْبٍ أوْ بَلَدٍ يُهَاجِمُهُمْ أوْ يُهَاجِمُ أوْلَادَهُمْ وَزَوْجَاتِهُمْ، فَيُدَمِّرُوهَا وَيُبيدُوهَا وَيَسْلِبُوا غَنَائِمَهَا. 12 وَكَانَ يَنْبَغِي عَمَلُ كُلَّ هَذِهِ الأُمُورِ فِي كُلِّ بِلَادِ المَلِكِ أحَشْوِيرُوشَ فِي اليَوْمِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الثَّانِي عَشَرَ – شَهرِ آذَارَ.
13 وَنُشِرَتْ نُسَخٌ مِنْ هَذَا الأمْرِ فِي كُلِّ البِلَادِ. وَأُعلِنَ ذَلِكَ لِكُلِّ النَّاسِ حَتَّى يَسْتَعِدَّ اليَهُودُ لِليَوْمِ الَّذِي سَيَنْتَقِمُونَ فِيهِ مِنْ أعْدَائِهِمْ. 14 وَبِأمرٍ مِنَ المَلِكِ، أسرَعَ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الرَّسَائِلَ عَلَى الخُيُولِ المَلَكِيَّةِ. وَأُعلِنَ الأمْرُ فِي العَاصِمَةِ شُوشَنَ أيْضًا. 15 وَخَرَجَ مُرْدَخَايُ مِنْ عِنْدِ المَلِكِ بِثِيَابٍ مَلَكِيَّةٍ بَيْضَاءَ وَأُرجُوانِيَّةٍ. وَعَلَى رَأسِهِ تَاجٌ ذَهَبِيٌّ كَبِيرٌ، وَيَرْتَدِي رِدَاءً مِنَ الكِتَّانِ الأُرجُوانِيِّ. وَعَمَّتِ الفَرحَةُ مَدِينَةَ شُوشَنَ.
16 أمَّا اليَهُودُ فَكَانُوا مُبتَهِجَينَ وَفَرِحِينَ وَسُعَدَاءَ وَفَخُورِينَ. 17 وَأُقِيمَتِ الوَلَائِمُ وَالأفرَاحُ فِي كُلِّ الأمَاكِنِ وَالبِلَادِ وَالمُدُنِ التِي سَمِعَتْ بِأمْرِ المَلِكِ. وَكَثِيرُونَ مِنَ السَّاكِنِينَ فِي تِلْكَ الأرْضِ تَظَاهَرُوا بِأنَّهُمْ يَهُودٌ لِخَوفِهِمْ مِنْهُمْ.
انْتِصَارُ اليَهُود
9 وَفِي اليَوْمِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الثَّانِي عَشَرَ – شَهرِ آذَارَ – يَوْمَ تَنْفِيذِ مَرسُومِ المَلِكِ، وَيَوْمَ تَمَنّى أعْدَاءُ اليَهُودِ أنْ يَتَسَلَّطُوا عَلَيْهِمْ، تَغَيَّرَ الحَالُ وَتَسَلَّطَ اليَهُودَ عَلَى أعْدَائِهِمْ! 2 فَقَدِ احتَشَدَ اليَهُودُ فِي مُدُنِهِمْ، فِي كُلِّ بِلَادِ المَلِكِ أحَشْوِيرُوشَ وَأقَالِيمِهِ لِيُهَاجِمُوا أعْدَاءَهُمْ. وَلَمْ يَسْتَطِعْ أحَدٌ أنْ يَصْمُدَ أمَامَهُمْ، لِأنَّ الجَمِيعَ صَارُوا يَخَافُونَ مِنْهُمْ. 3 وَدَعَمَهُمْ كُلُّ رُؤَسَاءِ البِلَادِ وَالوُلَاةِ وَالحُكَّامِ وَوُكَلَاءِ المَلِكِ، لِأنَّهُمْ كَانُوا يَخَافُونَ مِنْ مُرْدَخَايَ. 4 فَقَدْ صَارَ رَجُلًا مُهِمًّا فِي قَصْرِ المَلِكِ، وَاشْتَهَرَ فِي كُلِّ البِلَادِ. وَكَانَتْ هَيبَتُهُ وَعَظَمَتُهُ تَتَزَايَدَانِ يُومًا بَعْدَ يَوْمٍ.
5 وَهَاجَمَ اليَهُودُ أعْدَاءَهُمْ بِالسَّيْفِ، وَقَتَلُوهُمْ وَأهْلَكُوهُمْ وَفَعَلُوا بِهِمْ كُلَّ مَا يُرِيدُونَهُ. 6 وَقَتَلُوا خَمْسَ مِئَةِ رَجُلٍ فِي العَاصِمَةِ شُوشَنَ وَحدَهَا. 7 كَمَا قَتَلُوا فَرْشَنْدَاثَا وَدَلْفُونَ وَأسْفَاثَا 8 وَفُوَرَاثَا وَأدَلْيَا وَأرِيدَاثَا 9 وَفَرْمَشْتَا وَأرِيسَايَ وَأرِيدَايَ وَيِزَاثَا، 10 وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَسْلِبُوا أيَّةَ غَنَائِمَ. وَهَؤلَاءِ العَشْرَةُ الَّذِينَ قُتِلُوا كَانُوا أبْنَاءَ عَدُوِّ اليَهُودِ هَامَانَ بْنِ هَمَدَاثَا.
11 وَأبلَغَ الخُدَّامُ المَلِكَ، فِي ذَلِكَ اليَوْمِ نَفْسِهِ، بِعَدَدِ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي العَاصِمَةِ شُوشَنَ. 12 فَقَالَ المَلِكُ لِلمَلِكَةِ أسْتِيرَ: «لَقَدْ قَتَلَ اليَهُودُ خَمْسَ مِئَةِ رَجُلٍ فِي العَاصِمَةِ شُوشَنَ وَحْدَهَا، كَمَا قَتَلُوا أبْنَاءَ هَامَانَ العَشْرَةَ، فَكَمْ سَيَكُونُ عَدَدُ القَتلَى فِي البِلَادِ الأُخْرَى؟ وَالْآنَ مَاذَا تَتَمَنِينَ فَأفْعَلَهُ لَكِ؟ وَمَاذَا تَطْلُبِينَ فَأُعْطِيكِ؟»
13 فَقَالَتْ أسْتِيرُ: «إنِ اسْتَحْسَنَ المَلِكُ رَأيِي، فَلْيَسْمَحْ لِليَهُودِ فِي بَلْدَةِ شُوشَنَ بأِنْ يَفْعَلُوا غَدًا كَمَا فَعَلُوا اليَوْمَ. وَأنْ يُعَلَّقَ أبْنَاءُ هُامَانَ عَلَى أعْمِدَةٍ خَشَبِيَّةٍ.»
14 فَأمَرَ المَلِكُ أنْ تُنَفَّذَ طِلبَةُ أسْتِيرَ. وَأُعلِنَ الأمْرُ فِي مَدِينَةِ شُوشَنَ، فَعُلِّقَ أبْنَاءُ هَامَانَ عَلَى أعمِدَةٍ خَشَبِيَّةٍ. 15 وَفِي اليَوْمِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ شَهْرِ آذَارَ، اجتَمَعَ اليَهُودُ الَّذِينَ فِي بَلْدَةِ شُوشَنَ مَرَّةً أُخْرَى، وَقَتَلُوا هُنَاكَ ثَلَاثَ مِئَةِ رَجُلٍ، مِنْ دُونِ أنْ يَأْخُذُوا شَيْئًا مِنَ الغَنِيمَةِ.
16 وَكَانَ بَقِيَّةُ اليَهُودِ الَّذِينَ يَعِيشُونَ فِي بِلَادِ المَلِكِ قَدِ اجتَمَعُوا فِي اليَوْمِ السَّابِقِ لِيُدَافِعُوا عَنْ أنْفُسِهِمْ وَيَتَخَلَّصُوا مِنْ أعْدَائِهِمْ. فَقَتَلُوا خَمْسةً وَسَبعِينَ ألْفَ رَجُلٍ مِنْ أعْدَائِهِمْ، وَلَمْ يَسْلِبُوا مِنْهُمْ غَنِيمَةً. 17 حَدَثَ هَذَا فِي اليَوْمِ الثَّالِثَ عَشَرَ، وَاستَرَاحُوا فِي اليَوْمِ الرَّابِعَ عَشَرَ، وَجَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ اليَوْمِ يَوْمَ فَرَحٍ وَاحتِفَالٍ وَوَلَائِمَ.
عِيدُ الفُورِيم
18 أمَّا اليَهُودُ الَّذِينَ فِي بَلْدَةِ شُوشَنَ فَقَدْ اجتَمَعُوا لِيُدَافِعُوا عَنْ أنْفُسِهِمْ فِي اليَوْمِ الثَّالِثَ عَشَرَ وَالرَّابِعَ عَشَرَ، ثُمَّ استَرَاحُوا فِي اليَوْمِ الخَامِسَ عَشَرَ. وَجَعَلُوا مِنْ هَذَا اليَوْمِ عِيدًا. 19 لِذَلِكَ يَحْتَفِلُ اليَهُودُ فِي الرِّيفِ وَفِي القُرَى الصَّغِيرَةِ فِي اليَوْمِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ شَهرِ آذَارَ، وَيَتَبَادَلُونَ الطّعَامَ وَالهَدَايَا.
20 وَكَانَ مُرْدَخَايُ يُسَجِّلُ هَذِهِ الأحْدَاثَ، وَيُرسِلُ بِالرَّسَائِلِ إلَى اليَهُودِ الَّذِينَ يَعِيشُونَ فِي بِلَادِ المَلِكِ أحَشْوِيرُوشَ القَرِيبَةِ وَالبَعِيدَةِ، 21 وَيَطْلُبُ مِنْهُمْ فِي رَسَائِلِهِ أنْ يَحْتَفِلُوا سَنَوِيًّا فِي اليَوْمِ الرَّابِعَ عَشَرَ وَاليَوْمِ الخَامِسَ عَشَرَ مِنْ شَهْرِ آذَارَ. 22 وَهُمَا اليَومَانِ اللَّذَانِ تَخَلَّصَ فِيهِمَا اليَهُودُ مِنْ أعْدَائِهِمْ. فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ، تَحَوَّلَ النُّواحُ إلَى احتِفَالٍ، وَالحُزْنُ إلَى عِيدٍ. فَجَعَلُوهُمَا يَوْمَيَّ عِيدٍ وَاحتِفَالٍ، فِيهِمَا يَتَبَادَلُونَ الطَّعَامَ، وَيُعطُونَ هَدَايَا لِلفُقَرَاءِ.
23 وَالتَزَمَ اليَهودُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِمَا كَتَبَهُ إلَيْهِمْ مُرْدَخَايُ. 24 وَذَلِكَ لِأنَّ عَدُوَّ اليَهُودِ هَامَانَ بنَ هَمَدَاثَا الأجَاجِيَّ تَآمَرَ لِيَقْتُلَ اليَهُودَ، وَألقَى قُرَعًا لِيُفنِيَهُمْ. 25 لَكِنْ لَمَّا دَخَلَتْ أسْتِيرُ إلَى المَلِكِ، وَأخبَرَتْهُ بِذَلِكَ، أصدَرَ أمْرًا خَطِّيًا بِأنْ يَرتدَّ شَرُّ هَامَانَ ضِدَّ اليَهُودِ عَلَى رَأسِهِ، وَبِأنْ يُعَلَّقَ أبنَاؤهُ عَلَى أعمِدَةٍ خَشَبِيَّةٍ كَمَا عُلِّقَ هُوَ.
26 لِذَلِكَ يُسَمِّي اليَهُودُ هَذَينِ اليَوْمَينِ بِالفُورِيمِ نِسبَةً إلَى كَلِمَةِ «فُورَ» التِي تَعْنِي «قُرعَة.» وَبِسَبَبِ رِسَالَةِ مُرْدَخَايَ، وَبِسَبَبِ مَا وَاجَهَهُ اليَهُودُ، وَمَا مَرُّوا بِهِ. 27 فَقَدْ أوجَبُوا عَلَى أنْفُسِهِمْ وَعَلَى أوْلَادِهِمْ وَعَلَى كُلِّ أقَارِبِهِمْ بِأنْ يَحْتَفِلُوا بِهَذَينِ اليَوْمَينِ فِي مَوعِدِهِمَا كُلِّ سَنَةٍ، تَمَامًا كَمَا كَتَبَ إلَيْهِمْ مُرْدَخَايُ.
28 وَهَكَذَا تَمَّ إحْيَاءُ ذِكرَى هَذِينِ اليَوْمَينِ مِنْ جِيلٍ إلَى جِيلٍ فِي كُلِّ عَائِلَةٍ، وَفِي كُلِّ بَلدَةٍ وَمَدِينَةٍ. وَلَمْ يَنْسَ أحَدٌ مِنَ اليَهُودِ أنْ يَحْتَفِلَ بِهَذَينِ اليَوْمَينِ عَلَى الدَّوَامِ، كَمَا التَزَمَ نَسْلُ أُولَئِكَ اليَهُودِ بِإحيَاءِ هَذِهِ الذِكرَى.
29 ثُمَّ كَتَبَتِ المَلِكَةُ أسْتِيرُ بِنْتُ أبيحَايِلَ، وَمُرْدَخَايُ اليَهُودِيُّ رِسَالَةً ثَانِيَةً بِخُصُوصِ عِيدِ الفُورِيم. 30 وَأرْسَلَ مُرْدَخَايَ رسَائِلَ يَتَمَنَّى فِيهَا السَّلَامَ وَالِاستِقرَارَ لِكُلِّ اليَهُودِ الَّذِينَ يَعِيشُونَ فِي مِئَةٍ وَسَبعةٍ وَعِشرِينَ إقْلِيمًا تَابِعًا لِمَمْلَكَةِ أحَشْوِيرُوشَ. 31 وَأكَدَّتِ الرِّسَائِلُ عَلَى أهَمِيَّةِ الِاحتِفَالِ بِالفُورِيمِ فِي مَوعِدِهِ المُحَدَّدِ الذَي عَيَّنَهُ مُرْدَخَايُ اليَهُودِيُّ وَالمَلِكَةُ أسْتِيرُ لِليَهُودِ. كَمَا أوجَبَ مُرْدَخَايُ وَأستِيرُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى نَفسَيهِمَا وَعَلَى نَسْلِهِمُ الصِّيَامَ وَالبُكَاءَ فِي ذِكرَى الأمْرِ بِقَتلِ اليَهُودِ. 32 فَأكَّدَتْ رِسَالَةُ أسْتِيرَ عَلَى أهَمِيَّةِ إحيَاءِ ذِكرَى الفُورِيمِ. وَدُوِّنَ ذَلِكَ فِي وَثِيقَةٍ رَسمِيَّةٍ.
إكْرَامُ مُرْدَخَاي
10 ثُمَّ فَرَضَ المَلِكُ أحَشْوِيرُوشُ الضَرَائِبَ عَلَى الشَّعْبِ وَالمُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ.
2 أمَّا قِصَّةَ قُوَّةِ المَلِكِ أحَشْوِيرُوشَ وَعَظَمَتَهِ، وَكَيْفَ رَقَّى مُرْدَخَايَ، فَإنّهَا مُدَوَّنَةٌ فِي كِتَابِ تَارِيخِ مُلُوكِ مَادِي وَفَارِسَ.
3 وَأصبَحَ مُرْدَخَايُ اليَهُودِيُّ فِي المَرتَبَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ المَلِكِ أحَشْوِيرُوشَ. وَعَظُمَ شأنُهُ عِنْدَ اليَهُودِ. نَالَ رِضَى غَالِبِيَّةِ إخْوَتِهِ اليَهُودِ، لِأنَّهُ كَانَ يَسْعَى إلَى خَيرِ شَعْبِهِ، وَيَصْنَعُ السَّلَامَ لِجَمِيعِ اليَهُودِ.
أيُّوبُ الصَّالِح
1 كَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ فِي بِلَادِ عُوصٍ اسْمُهُ أيُّوبُ. وَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ نَزِيهًا وَمُسْتَقِيمًا، يَتَّقِي اللهَ وَيَبْتَعِدُ عَنِ الشَرِّ. 2 وَقَدْ وُلِدَ لَهُ سَبعَةُ أبْنَاءَ وَثَلَاثُ بَنَاتٍ. 3 وَكَانَ يَمْتَلِكُ سَبْعَةَ آلَافِ خَرُوفٍ وَمَاعِزٍ، وَثَلَاثَةَ آلَافِ جَمَلٍ، وَخَمْسَ مِئَةِ زَوْجٍ مِنَ الثِّيرَانِ، وَخَمْسَ مِئَةِ حِمَارٍ، وَخُدَّامًا كَثِيرِينَ، فَكَانَ أغنَى سُكَّانِ المَشرِقِ.
4 وَكُلَّ يَوْمٍ، كَانَ يَأتِي دَورُ أحَدِ أبْنَائِهِ لِيُقِيمَ وَلِيمَةً فِي بَيْتِهِ، وَيَدْعُو أخَوَاتِهِ الثَّلَاثَ لِيَأْكُلْنَ وَيَشْرَبْنَ مَعَهُمْ. 5 وَعِنْدَ انتِهَاءِ كُلِّ وَلِيمَةٍ، كَانَ أيُّوبُ يُكَرِّسُهُمْ. فَكَانَ يَنْهَضُ بَاكِرًا فِي الصَّبَاحِ وَيُقَدِّمُ ذَبَائِحَ بِعَدَدِ أبنَائِهِ وَبَنَاتِهِ. لِأنَّ أيُّوبَ كَانَ يَقُولُ فِي نَفْسِهِ: «رُبَّمَا أخطَأ أبنَائِي فَلَعَنُوا اللهَ فِي قُلُوبِهِمْ.» وَمَارَسَ أيُّوبُ هَذَا الأمْرَ دَائِمًا.
6 وَذَاتَ يَوْمٍ دَخَلَتِ المَلَائِكَةُ[c] لِتَقِفَ فِي حَضْرَةِ اللهِ، وَكَانَ الشَّيْطَانُ أيْضًا بَيْنَهُمْ. 7 فَقَالَ اللهُ لِلشَّيطَانِ: «مِنْ أيْنَ جِئتَ؟»
فَأجَابَ الشَّيْطَانُ اللهَ: «مِنَ التَّجَوُّلِ هُنَا وَهُنَاكَ فِي الأرْضِ وَالتَّمَشِّي فِيهَا.»
8 فَسَألَ اللهُ الشَّيطَانَ: «هَلْ لَاحَظتَ أنَّهُ لَا يُوجَدُ فِي الأرْضِ مَثِيلٌ لِعَبدِي أيُّوبَ فِي نَزَاهَتِهِ وَاستِقَامَتِهِ وَتَقوَاهُ وَخَوْفِهِ اللهَ وَابتِعَادِهِ عَنِ الشَّرِّ؟»
9 فَأجَابَ الشَّيْطَانُ اللهَ: «وَهَلْ يَخَافُ أيُّوبُ اللهَ بِلَا مُقَابِلٍ؟ 10 ألَمْ تُسَيِّجْ حَوْلَهُ وَحَوْلَ بَيْتِهِ وَحَوْلَ كُلِّ مَا يَمْلِكُهُ؟ لَقَدْ جَعَلْتَهُ نَاجِحًا وَوَسَّعتَ مُمتَلَكَاتِهِ فِي الأرْضِ كَثِيرًا. 11 لَكِنْ لَوْ مَدَدْتَ يَدَكَ وَأفْسَدْتَ كُلَّ مَا لَهُ، فَسَيَلْعَنُكَ فِي وَجْهِكَ!»
12 فَقَالَ اللهُ لِلشَّيطَانِ: «افْعَلْ مَا شِئتَ بِأيِّ شَيءٍ يَمْلِكُهُ، لَكِنْ لَا تُؤذِ جَسَدَهُ.» فَخَرَجَ الشَّيْطَانُ مِنْ حَضْرَةِ اللهِ.
أيُّوبُ يَفقِدُ أمْلَاكَهُ وَأوْلَادَه
13 وَذَاتَ يَوْمٍ كَانَ أبْنَاءُ أيُّوبَ وَبَنَاتُهُ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ النَّبِيذَ فِي بَيْتِ ابنِهِ البِكرِ. 14 فَجَاءَ إلَى أيُّوبَ رَسُولٌ يَقُولُ لَهُ: «كُنَّا نَحرُثُ الأرْضَ بِالثِّيرَانِ، وَكَانَتِ الحَمِيرُ تَرْعَى إلَى جَانِبِهَا. 15 فَهَجَمَ عَلَيْهَا بَعْضُ السَّبَئيِّينَ وَسَلَبُوهَا. وَقَتَلُوا بِسُيُوفِهِمُ الحُرَّاسَ. وَقَدْ هَرَبتُ وَحْدِي لِأنقُلَ إلَيْكَ الخَبَرَ.»
16 وَبَيْنَمَا كَانَ ذَلِكَ الرَّسُولُ يَتَكَلَّمُ، وَصَلَ رَسُولٌ آخَرُ يَقُولُ: «نَزَلَتْ صَاعِقَةٌ مِنَ السَّمَاءِ[d] وَالتَهَمَتِ الخِرَافَ وَالمَاعِزَ وَالحُرَّاسَ. وَقَدْ هَرَبْتُ وَحْدِي لِأنقُلَ إلَيْكَ الخَبَرَ.»
17 وَبَيْنَمَا كَانَ ذَلِكَ الرَّسُولُ يَتَكَلَّمُ، وَصَلَ رَسُولٌ آخَرُ يَقُولُ: «هَجَمَ بَعْضُ الكَلدَانِيِّينَ فِي ثَلَاثِ فِرَقٍ عَلَى الجِمَالِ وَأخَذُوهَا، وَقَتَلُوا بِسُيُوفِهِمُ الحُرَّاسَ. وَقَدْ هَرَبْتُ وَحْدِي لِأنقُلَ إلَيْكَ الخَبَرَ.»
18 وَبَيْنَمَا كَانَ ذَلِكَ الرَّسُولُ يَتَكَلَّمُ، وَصَلَ رَسُولٌ آخَرُ يَقُولُ: «كَانَ أبنَاؤُكَ وَبَنَاتُكَ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ النَّبِيذَ فِي بَيْتِ أخِيهِمُ الأكبَرِ، بِكْرِكَ، 19 فَهَبَّتْ عَاصِفَةٌ شَدِيدَةٌ عَبْرَ الصَّحرَاءِ وَضَرَبَتِ البَيْتَ كُلَّهُ، فَانْهَارَ عَلَى أبنَائِكَ وَبَنَاتِكَ فَمَاتُوا جَمِيعًا، وَقَدْ هَرَبتُ وَحْدِي لِأنقُلَ إلَيْكَ الخَبَرَ.»
20 فَنَهَضَ أيُّوبُ وَشَقَّ ثَوبَهُ حُزْنًا. ثُمَّ حَلَقَ رَأسَهُ وَارتَمَى عَلَى الأرْضِ وَسَجَدَ مِرَارًا. 21 وَقَالَ:
«عُرْيَانًا خَرَجتُ مِنْ بَطنِ أُمِّي،
وَعُرْيَانًا سَأعُودُ.
اللهُ أعْطَى،
وَاللهُ أخَذَ.
فَلِيَتَبَارَكِ اسْمُ اللهِ.»
22 فَلَمْ يَرْتَكِبْ أيُّوبُ إثمًا فِي كُلِّ هَذَا، وَلَمْ يَتَّهِمِ اللهَ بِالظُّلْمِ!
الشَّيْطَانُ يُهَاجِمُ جَسَدَ أيُّوب
2 وَجَاءَتِ المَلَائِكَةُ[e] ذَاتَ يَوْمٍ لِكَي يَقِفُوا فِي حَضْرَةِ اللهِ، وَجَاءَ الشَّيْطَانُ لِيَقِفَ فِي حَضْرَةِ اللهِ. 2 فَقَالَ اللهُ لِلشَّيطَانِ: «مِنْ أيْنَ جِئتَ؟»
فَأجَابَ الشَّيْطَانُ اللهَ: «مِنَ التَّجَوُّلِ فِي الأرْضِ وَالتَّمَشِّي فِيهَا.» 3 فَقَالَ اللهُ لِلشَّيطَانِ: «هَلْ لَاحَظتَ أنَّهُ لَا يُوجَدُ فِي الأرْضِ مَثِيلٌ لِعَبدِي أيُّوبَ فِي نَزَاهَتِهِ وَاستِقَامَتِهِ وَتَقوَاهُ وَابتِعَادِهِ عَنِ الشَّرِّ؟ وَهُوَ مَا يَزَالُ مُتَمَسِّكًا بِنَزَاهَتِهِ مَعَ أنَّكَ حَاوَلتَ أنْ تَدْفَعَنِي لِأُدَمِّرَهُ بِلَا دَاعٍ.»
4 فَأجَابَ الشَّيْطَانُ اللهَ: «وَاحِدَةً بِوَاحِدَةٍ! فَالإنْسَانُ مُسْتَعِدٌّ أنْ يُعْطِيَ كُلَّ مَا يَمْلِكُ لِإنقَاذِ حَيَاتِهِ. 5 فَإنْ مَدَدْتَ يَدَكَ لِتُؤذِي عَظْمَهُ وَلَحْمَهُ، فَسَيَلْعَنُكَ فِي وَجْهِكَ!»
6 فَقَالَ اللهُ لِلشَّيطَانِ: «افْعَلْ بِهِ كَمَا تَشَاءُ، لَكِنْ أبْقِ عَلَى حَيَاتِهِ.»
7 فَخَرَجَ الشَّيْطَانُ مِنْ حَضْرَةِ اللهِ، وَابْتَلَى أيُّوبَ بِقُرُوحٍ مُؤلِمَةٍ مِنْ رَأسِهِ إلَى قَدَمَيهِ. 8 فَاسْتَعَانَ أيُّوبُ بِقِطعَةِ فَخَّارٍ مَكسُورَةٍ لِيَحِكَّ جِلْدَهُ، وَهُوَ يَجْلِسُ وَسَطَ كَوْمَةٍ مِنَ الرَّمَادِ. 9 فَقَالَتْ لَهُ زَوْجَتُهُ: «أمَا زِلتَ مُتَمَسِّكًا بِاسْتِقَامَتِكَ؟ العَنِ اللهَ وَمُتْ!»[f]
10 فَقَالَ لَهَا أيُّوبُ: «تَتَكَلَّمِينَ كَالجَاهِلَاتِ! فَهَلْ نَقبَلُ الخَيْرَ مِنَ اللهَ وَلَا نَقبَلُ الشَّرَّ؟»
فَفِي كُلِّ هَذَا لَمْ يَرْتَكِبْ أيُّوبُ إثمًا فِي مَا قَالَهُ.
أصْحَابُ أيُّوبَ الثَّلَاثَة
11 وَسَمِعَ ثَلَاثَةٌ مِنْ أصْحَابِ أيُّوبَ عَنْ كُلِّ المَصَائِبِ الَّتِي حَلَّتْ بِهِ، فَتَرَكُوا بُيُوتَهُمْ وَجَاءُوا إلَيْهِ. وَهُمْ ألِيفَازُ التَّيمَانِيُّ وَبِلْدَدُ الشُّوحِيُّ وَصُوفَرُ النَّعْمَاتِيُّ. فَاجتَمَعُوا مَعًا لِيُعَبِّرُوا عَنْ تَعَاطُفِهِمْ مَعَهُ وَيُعَزُّوهُ. 12 وَعِنْدَمَا نَظَرُوا إلَى أيُّوبَ عَنْ بُعْدٍ لَمْ يُمَيِّزُوهُ. فَبَكَوْا بِصَوْتٍ عَالٍ وَمَزَّقُوا ثِيَابَهُمْ، وَنَثَرُوا رَمَادًا عَلَى رُؤوسِهِمْ. 13 وَجَلَسُوا مَعَهُ عَلَى الأرْضِ سَبْعَةَ أيَّامٍ وَسَبعَ لَيَالٍ صَامِتينَ، لِأنَّهُمْ رَأوْا شِدَّةَ ألَمِهِ.
أيُّوبُ يَلعَنُ يَوْمَ مَولِدِه
3 بَعْدَ هَذَا ابتَدَأ أيُّوبُ يَتَحَدَّثُ، فَلَعَنَ يَوْمَ مَولِدِهِ، 2 وَقَالَ:
3 «لَيتَهُ مُحِيَ ذَلِكَ اليَوْمُ الَّذِي وُلِدتُ فِيهِ،
وَتِلْكَ اللَّيلَةُ الَّتِي قَالُوا فِيهَا
حَبَلَتِ امْرأةٌ بِوَلَدٍ.
4 لَيْتَ ذَلِكَ اليَوْمَ ظَلَّ مُظلِمًا،
وَلَيْتَ اللهَ فِي سَمَائِهِ لَمْ يَصْنَعْهُ.
لَيْتَ النُّورَ لَمْ يُشرِقْ عَلَيْهِ.
5 لَيْتَ الظُّلمَةَ وَعَتْمَةَ المَوْتِ اشْتَرَيَاهُ.
وَلَيْتَ السُّحُبَ الكَثِيفَةَ خَيَّمَتْ فَوقَهُ،
وَغَمَرَتْهُ ظُلُمَاتُ الخُسُوفِ.
6 أمَّا اللَّيلَةُ الَّتِي وُلِدتُ فِيهَا،
فَلَيتَ ظُلمَةً عَمِيقَةً طَوَتَهَا،
وَلَمْ يُحتَفَلْ بِهَا مَعَ أيَّامِ السَّنَةِ،
وَلَا حُسِبَتْ بَيْنَ الشُّهُورِ.
7 لَيْتَ تِلْكَ اللَّيلَةَ كَانَتْ عَقِيمَةً
وَلَمْ تَتَرَدَّدْ فِيهَا أغَانِي الفَرَحِ.
8 لَيْتَ السَّحَرَةَ الَّذِينَ يَلْعَنُونَ الأيَّامَ،
وَيُوقِظُونَ لَوِيَاثَانَ،[g]
لَعَنُوا ذَلِكَ اليَوْمَ.
9 لَيْتَ نَجمَةَ الصُّبحِ لَمْ تُشرِقْ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ،
وَلَيْتَ اللَّيلَ انتَظَرَ النُّورَ فَلَمْ يَأْتِ.
لَيتَهَا لَمْ تَرَ خُيُوطَ الشَّمْسِ الأُولَى.
10 لِأنَّهَا لَمْ تَمْنَعْ أُمِّي مِنْ وِلَادَتِي،
وَلَمْ تُخْفِ المَصَائِبَ عَنِّي.
11 لِمَ لَمْ أُولَدْ مَيِّتًا؟
لِمَ لَمْ أنْتَهِ فَورَ خُرُوجِي مِنَ البَطنِ؟
12 لِمَاذَا كَانَتْ هُنَاكَ رُكْبَتَانِ لِتَحْمِلَانِي،
وَثَدْيَانِ لِأرضَعَ مِنهُمَا؟
13 فَلَوْ مِتُّ لَدَى وِلَادَتِي،
لَكُنْتُ الآنَ نَائِمًا لَا يُزعِجَنِي شَيءٌ،
وَلَكُنْتُ رَاقِدًا مُسْتَرِيحًا
14 مَعَ مُلُوكِ الأرْضِ وَالمُشِيرِينَ
الَّذِينَ بَنَوْا لِأنْفُسِهِمْ قُصُورًا صَارَتْ خَرَابًا.
15 أوْ مَعَ النُّبَلَاءِ الَّذِينَ امتَلَكُوا الذَّهَبَ
وَمَلأُوا قُبُورَهُمْ بِالفِضَّةِ.
16 أمَا كَانَ يُمْكِنُ أنْ تُسقِطَنِي أُمِّي وَتَدْفِنَنِي،
فَأكُونَ كَالأطْفَالِ الَّذِينَ لَمْ يَرَوْا نُورَ النَّهَارِ؟
17 فَهُنَاكَ يَتَوَقَّفُ المُجْرِمُونَ عَنْ إثْمِهِمْ،
وَيَسْتَرِيحُ المُرهَقُونَ،
18 وَيَطْمَئِنُّ الأسرَى جَمِيعًا.
لِأنَّهُمْ لَا يَسْمَعُونَ صَوْتَ مُضطَهِدِهِمُ المُخِيفِ.
19 الوَضِيعُ وَالعَظِيمُ هُنَاكَ،
وَالعَبدُ حُرٌّ مِنْ سَيِّدِهِ.
20 «لِمَاذَا يُعْطَى البَائِسُونَ نُورَ الحَيَاةِ،
وَلِمَاذَا يَعيشُ ذَوُو النَّفُوسِ المُرَّةِ؟
21 فَهُمْ يَرْغَبُونَ بِالمَوْتِ وَلَا يَأتِي.
يَبْحَثُونَ عَنْهُ كَمَنْ يُنَقِّبُونَ عَنْ كَنْزٍ مَدْفُونٍ.
22 يَفْرَحُونَ إلَى أقْصَى الفَرَحِ
يُغَنُّونَ بِابتِهَاجٍ،
عِنْدَمَا يَصِلُونَ إلَى القَبْرِ!
23 لِمَاذَا تُعطَى حَيَاةٌ لِإنْسَانٍ لَا يَرَى طَرِيقَهُ،
لِأنَّ اللهَ أقَامَ حَوْلَهُ سِيَاجًا؟
24 هَا إنَّ تَنَهُّدِي يَأْتِي إلَى فَمِي كَالخُبْزِ،
وَأنَّاتِي تَجْرِي كَالمِيَاهِ.
25 مَا خِفْتُ مِنْهُ هَجَمَ عَلَيَّ،
وَجَاءَنِي مَا كُنْتُ أفزَعُ مِنْهُ.
26 وَأنَا لَسْتُ مُطمَئِنًّا أوْ صَافِيًا أوْ مُرتَاحًا،
وَلَسْتُ إلَّا فِي اضْطِرَابٍ.»
حَدِيثُ ألِيفَاز
4 فَأجَابَ ألِيفَازُ التَّيمَانِيُّ:
2 «هَلْ سَتَنْزَعِجُ إنْ تَحَدَّثْتُ إلَيْكَ؟
لَكِنْ مَنْ يَسْتَطِيعُ أنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ عَنِ الكَلَامِ؟
3 لَقَد أرشَدْتَ كَثِيرِينَ،
وَسَاعَدْتَهُمْ عِنْدَ الحَاجَةِ.
4 أقَامَتْ كَلِمَاتُكَ العَاثِرِينَ وَثَبَّتَتْهُمْ،
وَقَوَّتْ عَزَائِمَ الضُّعَفَاءِ.
5 أمَّا الآنَ فَيَحْدُثُ لَكَ سُوءٌ فَيُزعِجَكَ،
يَقْتَرِبُ مِنْكَ فَتَضْطَرِبَ.
6 أمَا تَثِقُ بِتَقوَاكَ؟
أمَا أسَّسْتَ رَجَاءَكَ عَلَى اسْتِقَامَتِكَ؟
7 تَذَكَّرْ هَلْ مِنْ بَرِيءٍ هلَكَ،
وَهَلْ بَادَ المُسْتَقِيمُونَ يَومًا؟
8 فَمَا رَأيْتُهُ هُوَ أنَّ الَّذِينَ يَحْرُثُونَ الشَّرَّ
وَيَزْرَعُونَ الشَّقَاءَ،
هُمُ الَّذِينَ يَحْصُدُونَهُ.
9 نَفخَةُ اللهِ تَقْتُلُهُمْ،
وَغَضَبُهُ العَاصِفُ يَلْتَهِمُهُمْ.
10 فَيَنْقَطِعُ زَئِيرُ الأسَدِ وَزَمجَرَتُهُ الغَاضِبَةُ،
وَتَتَكَسَّرُ أسنَانُ الأشبَالِ.
11 يَهْلِكُ كَمَا يَهْلِكُ الأسَدُ القَوِيُّ
حِينَ لَا يَجِدُ طَعَامًا،
وَيتَشَتَّتُ أشبَالُهُ.
12 «وَجَاءَتنِي رِسَالَةٌ فِي الخَفَاءِ،
وَبِالكَادِ سَمِعْتُهَا
إذِ التَقَطتْ أذُنَايَ هَمْسَةً مِنْهَا.
13 فَفِي كَوَابِيسِي،
عِنْدَمَا كُنْتُ مُسْتَغْرِقًا فِي النَّومِ،
14 نَادَانِي الخَوفُ وَالِارتِعَادُ،
فَارتَعَشَتْ كُلُّ عِظَامِي بِقُوَّةٍ.
15 وَمَرَّتْ رُوحٌ عَلَى وَجْهِي،
فَوَقَفَ شَعرُ رَأسِي!
16 وَقَفَتِ الرُّوحُ سَاكِنَةً،
لَكِنِّي لَمْ أُمَيِّزْ شَكلَهَا.
وَقَفَ أمَامِي طَيفٌ،
وَسَادَ صَمتٌ،
ثُمَّ سَمِعْتُ صَوْتًا يَقُولُ:
17 ‹أيُمكِنُ أنْ يَكُونَ الإنْسَانُ أكْثَرَ صَوَابًا مِنَ اللهِ،
أمْ يُمْكِنُ لِلإنْسَانِ أنْ يَكُونَ أطهَرَ مِنْ صَانِعِهِ؟
18 فَاللهُ لَا يَثِقُ بِخُدَّامِهِ،
وَيَرَى أخْطَاءً حَتَّى فِي مَلَائِكَتِهِ.
19 فَكَيْفَ بِالنَّاسِ الَّذِينَ يَسْكُنُونَ بُيُوتًا مِنْ طِينٍ،[h]
أسَاسَاتُهَا فِي التُّرَابِ؟
ألَا يَسْحَقُهُمُ اللهُ كَحَشَرَةٍ؟
20 وَيُضرَبُونَ مِنَ الصَّبَاحِ إلَى المَسَاءِ.
وَلِأنَّهُمْ غَيْرُ رَاسِخِينَ،
يَهْلِكُونَ إلَى الأبَدِ.
21 أفَلَا تُقتَلَعُ حِبَالُ خِيَامِهِمْ،
لِيَمُوتُوا فِي جَهلِهِمْ؟›
5 «إنْ دَعَوتَ الآنَ،
فَمَنْ يُجِيبُكَ؟
وَإلَى مَنْ مِنَ المَلَائِكَةِ سَتَلْجَأُ؟
2 لِأنَّ الغَيظَ يَقْتُلُ الأحْمَقَ،
وَالحَسَدُ يَذْبَحُ الأبلَهُ.
3 قَد رَأيْتُ الأحْمَقَ يَمُدُّ جُذُورَهُ،
وَفَجْأةً هُدِمَ مَسْكَنُهُ!
4 أبنَاؤُهُ بَعِيدُونَ عَنِ الأمَانِ،
يُهزَمُونَ فِي المُحَاكَمَةِ،
وَمَا مِنْ أحَدٍ يُدَافِعُ عَنْهُمْ.
5 يَأْكُلُ الجَّائِعُ حَصَادَهُ،
وَيَأْخُذُهُ مِنْ بَيْنِ الأشوَاكِ،
وَيَشْتَهِي الجَشِعُونَ ثَروَتَهُ.
6 لِأنَّ المُصِيبَةَ لَا تَأْتِي مِنَ التُرَابِ،
وَلَا تَنْبُتُ المُعَانَاةُ مِنَ الأرْضِ.
7 لَكِنَّ البَشَرَ يَلِدُونَ المُصِيبَةَ،
تَمَامًا كَمَا تُرفَعُ ألسِنَةُ اللَّهَبِ إلَى الأعْلَى.
8 أمَّا أنَا فَأتَضَرَّعُ إلَى اللهِ،
وَأُخبِرُهُ بِمَا أصَابَنِي.
9 فَهُوَ صَانِعُ الأعْمَالِ العَظِيمَةِ
الَّتِي يَصْعُبُ فَهْمُهَا،
الأعْمَالِ المُهِيبَةِ الَّتِي لَا تُحصَى.
10 هُوَ الَّذِي يُرْسِلُ المَطَرَ عَلَى وَجْهِ الأرْضِ،
وَيُرسِلُ المِيَاهَ عَلَى وَجْهِ الحُقُولِ.
11 يَرْفَعُ المُتَّضِعِينَ،
وَيُحَسِّنُ حَالَ مَنْ سَوَّدَ الحُزنُ حَيَاتَهُمْ.
12 هُوَ الَّذِي يُحْبِطُ مُؤَامَرَاتِ المَاكِرِينَ،
لِئَلَّا يَنْجَحُوا فِي مَقَاصِدِهِمْ.
13 يَصطَادُ اللهُ الحُكَمَاءَ بِذَكَائِهِمْ،
فَيُفْشِلُ خُطَّةَ المَاكِرِينَ.
14 تُواجِهُهُمُ الظُّلْمَةُ فِي وَضَحِ النَّهَارِ.
وَيَتَلَمَّسُونَ طَرِيقَهُمْ فِي الظُّهرِ،
كَمَا فِي الظَّلَامِ.
15 لَكِنَّ اللهَ يُخَلِّصُ الفَقِيرَ
مِنْ سِيَاطِ أفوَاهِهِمْ،
وَمِنْ يَدِ القَوِيِّ.
16 لِهَذَا يُوجَدُ رَجَاءٌ لِلمِسْكِينِ،
وَيَسُدُّ الظُلمُ فَمَهُ!
17 «هَنِيئًا لِمَنْ يُؤَدِّبُهُ اللهُ،
فَلَا تَرْفُضْ تَأْدِيبَ القَدِيرِ.
18 لِأنَّ اللهَ يَضْرِبُ وَيُضَمِّدُ.
يَجْرَحُ وَيَدَاهُ تَشْفِيَانِ.
19 يُخَلِّصُكَ مِنَ الضِّيقَاتِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ،
وَلَا يَمَسُّكَ السُّوءُ أيْضًا.[i]
20 فِي المَجَاعَةِ يَحْمِيكَ مِنَ المَوْتِ،
وَفِي الحَرْبِ مِنَ القَتلِ بِالسَّيْفِ.
21 يَحْمِيكَ مِنَ افتِرَاءِ الألسِنَةِ
الَّتِي تَنْزِلُ كَالسِّيَاطِ،
فَلَيْسَ مَا يَدْعُوكَ إلَى أنْ تَخْشَى المَصَائِبَ حِينَ تَأْتِي.
22 تَهْزَأُ بِالخَرَابِ وَالمَجَاعَةِ،
وَوُحُوشُ البَرِّيَّةِ لَا تُخِيفُكَ.
23 لِأنَّكَ سَتَقْطَعُ عَهْدًا مَعَ صُخُورِ الأرْضِ،
وَتُسَالِمُكَ وُحُوشُ البَرِّيَّةِ.
24 سَتَعْرِفُ أنَّ بَيْتَكَ آمِنٌ،
وَتَتَفَقَّدُ قَطِيعَكَ فَتَجِدُهُ غَيْرَ مَنقُوصٍ.
25 سَتَعْرِفُ أنَّكَ سَتُرْزَقُ بِنَسْلٍ كَثِيرٍ،
وَسَتَكُونُ ذُرِّيَّتُكَ بِعَدَدِ أورَاقِ عُشبِ الأرْضِ.
26 سَتَعِيشُ حَيَاتَكَ كَامِلَةً،
فَتَكُونُ كَكَوْمَةٍ مِنَ الحُبُوبِ النَّاضِجَةِ وَقْتَ حَصَادِهَا.
27 هَذَا هُوَ الأمْرُ الَّذِي تَفَحَّصنَاهُ،
وَهُوَ هَكَذَا …
فَاسمَعْ وَتَعَلَّمْ أنْتَ.»
رَدُّ أيُّوبَ عَلَى ألِيفَاز
6 فَأجَابَ أيُّوبُ:
2 «آهِ لَوْ أمْكَنَ وَزْنُ عَذَابِي
وَوَضْعُ مَصَائِبِي كُلِّهَا عَلَى المَوَازِينِ.
3 فَسَتَكُونُ أثقَلَ مِنْ رَملِ البَحْرِ.
لِذَا كَلِمَاتِي طَائِشَةٌ.
4 لِأنَّ سِهَامَ القَدِيرِ فِيَّ،
وَرُوحِي تَشْرَبُ سُمَّهَا اللَّاذِعَ.
حُشِدَتْ أسلِحَةُ اللهِ المُخِيفَةُ لِقِتَالِي.
سَهلٌ عَلَيْكَ أنْ تَقُولَ كَلَامَكَ هَذَا،
حِينَ لَا تُواجِهُ مُصِيبَةً.
5 لَكِنْ حَتَّى الحِمَارُ لَا يَتَذَمَّرُ حِينَ يَتَوَفَّرُ لَهُ عُشْبٌ.
وَلَا الثَّورُ يَخُورُ وَلَدَيهِ عَلَفٌ.
6 هَلْ يُؤكَلُ الطَعَامُ بِلَا مِلْحٍ؟
أمْ هُنَاكَ نَكْهَةٌ فِي بَيَاضِ البَيضِ؟
7 كَذَلِكَ لَا رَغبَةَ لِي فِي سَمَاعِ كَلِمَاتِكَ،
فَهِيَ أشبَهُ بِالطَعَامِ الفَاسِدِ!
8 «لَيْتَ طِلبَتِي تُستَجَابُ،
فَيُعطِينِي اللهُ مَا أشتَهِيهِ.
9 لَيْتَ اللهَ يَشَاءُ أنْ يَسْحَقَنِي.
لَيتَهُ يُدَمِّرُنِي تَدْمِيرًا بِضَربَةٍ خَاطِفَةٍ مِنْ يَدِهِ.
10 فَفِي هَذَا تَكُونُ رَاحَتِي:
أنَّنِي لَمْ أتَجَاهَلْ كَلَامَ القُدُّوسِ،
رُغْمَ كُلِّ هَذَا الألَمِ.
11 «مَا هِيَ القُوَّةُ الَّتِي سَتُعْطينِي رَجَاءَ الِانْتِظَارِ،
وَمِنْ أجْلِ مَاذَا أتَمَنَّى طُولَ العُمْرِ؟
12 هَلْ لَدَيَّ قُوَّةُ الصُّخُورِ،
أمْ أنَّ جَسَدِي مَصْنُوعٌ مِنَ البُرُونْزِ؟
13 لَيْسَتْ فِيَّ قُوَّةٌ تُعِينُنِي،
وَالرَأيُ الصَّائِبُ أُخِذَ مِنِّي.
14 «يَحْتَاجُ اليَائِسُ إلَى إخلَاصِ أصْدِقَائِهِ،
حَتَّى وَإنِ ابْتَعَدَ عَنْ تَقْوَى القَدِيرِ.
15 إخْوَتِي غَدَرُوا بِي كَسَيلِ مِيَاهٍ،
كَسُيُولِ الوَادِي يَعْبُرُونَ.
16 فِي الشِّتَاءِ، تَتَصّلَّبُ بِالجَليدِ
الَّذِي يُغَطِّي الثِّلْجَ.
17 وَفِي الصَّيفِ تَجِفُّ،
تَخْتَفِي مِنَ مَكَانِهَا بِسَبَبِ الحَرِّ.
18 تَتَلّوَّى الجَدَاوِلُ فِي طَرِيقِهَا،
ثُمَّ تَخْتَفِي فِي الصَّحرَاءِ.
19 تَبْحَثُ قَوَافِلُ تَيمَاءُ عَنِ المَاءِ بِلَهفَةٍ،
وَتَرْجُو قَوَافِلُ سَبَأ المَاءَ.
20 كَانُوا وَاثِقِينَ مِنْ أنَّ المَاءَ هُنَاكَ،
فَخَابَتْ آمَالُهُمْ!
21 أنْتُمْ مِثْلُ هَذِهِ الجَدَاوِلِ،
رَأيْتُمْ تَعَاسَتِي فَارْتَعَبْتُمْ.
22 فَهَلْ قُلْتُ لَكُمْ أعطُونِي شَيْئًا؟
أمْ طَلَبتُ مِنْكُمْ أنْ تَدْفَعُوا رِشْوَةً مِنْ مَالِكُمْ لِأحَدٍ لِأجْلِي؟
23 هَلْ قُلْتُ لَكُمْ أنقِذُونِي مِنْ يَدِ مَنْ يَضْطَهِدُنِي؟
أوِ اشتَرُونِي مِنْ يَدِ الَّذِينَ يُرعِبُونَنِي؟
24 «عَلِّمُونِي وَأنَا أصْمِتُ،
وَأفهِمُونِي أيْنَ أخْطَأتُ.
25 مَا أقوَى الكَلِمَاتُ الصَّائِبَةُ!
لَكِنْ مَاذَا تُبَرهِنُ أقْوَالُكُمْ؟
26 أتَنْوُونَ انْتِقَادَ كَلَامِي،
وَتَحْسِبُونَ كَلِمَاتِ اليَأْسِ الَّتِي أقُولُهَا مُجَرَّدَ رِيحٍ؟
27 حَتَّى إنَّكُمْ تُلقُونَ قُرعَةً عَلَى مَالِ اليَتِيمِ،
وَتُسَاوِمُونَ عَلَى صَدِيقِكُمْ.
28 وَالْآنَ تَمَعَّنُوا فِي وَجْهِي،
فَإنِّي لَسْتُ أكذِبُ عَلَيْكُمْ.
29 أعِيدُوا النَّظَرَ فِي مَا قُلْتُمْ وَكُفُّوا عَنْ ظُلْمِي.
أعِيدُوا النَّظَرَ الآنَ لِأنَّنِي بَريءٌ.
30 هَلْ أخْطأ لِسَانِي بِشَيءٍ،
أمْ لَمْ يَعُدْ يُمَيِّزُ مَذَاقَ الظُّلمِ؟
7 «ألَا يُكَافِحُ الإنْسَانُ عَلَى الأرْضِ؟
ألَيْسَتْ أيَّامُهُ كَأيَّامِ عَمَلِ الأجِيرِ؟
2 يَشتَاقُ كَعَبدٍ إلَى الظِلِّ،
وَيَنْتَظِرُ أُجْرَتَهُ بِلَهفَةٍ.
3 هَكَذَا وَرِثْتُ شُهُورًا عَقِيمَةً،
وَأُعْطِيتُ نَصِيبِي مِنْ لَيَالِي الشَّقَاءِ.
4 إذَا نِمْتُ أقُولُ: ‹مَتَى سَأنهَضُ؟›
وَيَمُرُّ اللَّيلُ بَطِيئًا،
وَأتَقَلَّبُ فِي فِرَاشِي حَتَّى الفَجرِ.
5 جَسَدِي مُغَطَّى بِالدُّودِ وَالطِّينِ،
وَجِلْدِي يَتَصَلَّبُ وَيَتَقَيَّحُ.
6 «تَمُرُّ أيَّامُ حَيَاتِي أسرَعُ مِنْ دَوَرَانِ المَكُّوكِ فِي المِغزَلِ،
وَتَنْتَهِي بِلَا رَجَاءٍ.
7 تَذَكَّرْ أنَّ حَيَاتِي كَنَفَسٍ عَابِرٍ،
وَلَنْ أرَى خَيْرًا ثَانِيَةً.
8 مَنْ يَرَانِي الآنَ، لَنْ يَرَانِي بَعْدُ.
تُرَاقِبُنِي أنْتَ قَلِيلًا ثُمَّ أمضِي بِلَا عَودَةٍ.
9 وَكَمَا يَخْتَفِي السَّحَابُ وَيَزُولُ،
كَذَلِكَ الَّذِينَ يَنْزِلُونَ إلَى عَالَمِ المَوْتِ،
لَا يَصْعَدُونَ.
10 لَا يَعُودُ المَيِّتُ إلَى بَيْتِهِ،
وَأهْلُهُ لَا يَعُودُونَ يَعْرِفُونَهُ.
11 «لِهَذَا لَنْ أسْكُتَ.
وَسَأتَكَلَّمُ مِنْ عَذَابِ رُوحِي.
سَأشكُو مِمَّا ذُقتُهُ مِنْ مَرَارَةٍ فِي نَفْسِي.
12 هَلْ أنَا اليَمُّ أمِ التِّنِّينُ[j]
لِتَضَعَ عَلَيَّ حَارِسًا؟
13 إنْ قُلْتُ سَيُعطِينِي فِرَاشِي رَاحَةً،
وَيَحْمِلُ السَّرِيرُ هَمِّي عِنْدَمَا أشكُو،
14 فَإنَّكَ تُخِيفُنِي يَا اللهُ فِي أحْلَامِي،
وَتُرعِبُنِي بِالرُّؤى.
15 فَأخْتَارُ الخَنْقَ وَالمَوْتَ عَلَى هَذِهِ الحَيَاةِ.
16 كَرِهْتُ الحَيَاةَ،
وَلَا أُرِيدُ أنْ أعِيشَ إلَى الأبَدِ.
اترُكْنِي،
لِأنَّ حَيَاتِي نَسَمَةٌ عَابِرَةٌ.
17 مَا هُوَ الإنْسَانُ، يَا اللهُ،
حَتَّى تُعطِيهِ اعتِبَارًا، أوْ تُفَكِّرَ فِيهِ؟
18 لِمَ تَزُورُهُ صَبَاحًا بَعْدَ صَبَاحٍ،
وَتَمْتَحِنُهُ لَحْظَةً بَعْدَ لَحْظَةٍ؟
19 لِمَ لَا تُبْعِدَ نَظَرَكَ عَنِّي،
حَتَّى أبلَعَ رِيقِي؟
20 هَبْ أنَّنِي أخْطَأتُ،
فَكَيْفَ فِي وُسْعِي أنْ أُسِيئَ إلَيْكَ يَا رَقِيبَ البَشَرِ؟
لِمَ استَهْدَفْتَنِي؟
وَلِمَاذَا صِرْتُ عِبئًا عَلَيْكَ؟
21 لِمَاذَا لَا تَغْفِرُ جَرِيمَتِي وَتَتَغَاضَى عَنْ إثمِي؟
لِأنِّي سَأضطَجِعُ قَرِيبًا فِي تُرَابِ القَبْرِ.
تَبْحَثُ عَنِّي فَلَا تَجِدُنِي.»
Copyright © 2009, 2016 by Bible League International