Print Page Options
Previous Prev Day Next DayNext

Bible in 90 Days

An intensive Bible reading plan that walks through the entire Bible in 90 days.
Duration: 88 days
Arabic Bible: Easy-to-Read Version (ERV-AR)
Version
ﺃﻳﻮﺏ 8-24

حَدِيثُ بِلْدَد

فَأجَابَ بِلْدَدُ الشُّوحِيُّ:

«حَتَّى مَتَى تَتَفَوَّهُ بِهَذَا الكَلَامِ؟
مَا كَلِمَاتُكَ سِوَى هَوَاءٍ!
فَهَلْ يَعوِّجُ اللهُ عَدلَهُ؟
أمْ يُغَيِّرُ القَدِيرُ الصَّوَابَ وَيَظْلِمُ؟
إنْ أخطَأ أبنَاؤُكَ ضِدَّ اللهِ،
فَقَدْ عَاقَبَهُمْ عَلَى شَرِّهِمْ.
فَإنْ سَعَيتَ إلَى اللهِ،
وَطَلَبْتَ رَحمَةَ القَدِيرِ،
إنْ كُنْتَ نَقِيًّا وَمُسْتَقِيمًا،
فَسَيُصلِحُ اللهُ حَالَكَ حَالًا،
وَيَرُدُّ إلَيْكَ عَائِلَتَكْ.
فَيَكُونُ لَكَ فِي المُسْتَقْبَلِ أكْثَرُ مِمَّا كَانَ لَكَ فِي المَاضِي.

«سَلِ الأجْيَالَ المَاضِيَةَ،
وَتَعَلَّمْ مَا تَسْتَطِيعُ مِنْ آبَائِهِمْ.
فَمَا نَحْنُ سِوَى أوْلَادِ الأمْسِ،
وَلَا نَعْرِفُ شَيْئًا.
حَيَاتُنَا عَلَى الأرْضِ قَصِيرَةٌ كَالظِّلِّ.
10 ألَا يُعَلِّمُكَ الآبَاءُ؟ ألَا يُكَلِّمُونَكَ؟
ألَا يُخرِجُونَ أقْوَالًا صَادِقَةً مِنْ فَمِهِمْ؟

11 «هَلْ يَنْمُو نَبَاتُ البَرْدِيِّ حَيْثُ لَا مُسْتَنْقَعٌ؟
أمْ هَلْ ينمُو القَصَبُ حَيْثُ لَا مَاءٌ؟
12 بَلْ تَذْوِي وَهِيَ بَعْدُ فِي نَضَارَتِهَا،
وَتَجِفُّ قَبْلَ أنْ تَكُونَ صَالِحَةً لِلقَطعِ.
13 هَذَا هُوَ مَصِيرُ كُلِّ الَّذِينَ يَنْسَونَ اللهَ.
إذْ يَخِيبُ رَجَاءُ الشِّرِّيرِ.
14 يَخِيبُ مَا يَتَكِّلُ عَلَيْهِ،
لِأنَّهُ كَمَنْ يَثِقُ بِخُيُوطِ عَنْكَبُوتٍ.
15 إذَا اتَّكَأ عَلَيْهَا لَا تَصْمُدُ،
وَإذَا مَدَّ يَدَهُ إلَيْهَا لَا تَتَحَمَّلُ.
16 فَيَكُونُ كَنَبتَةٍ رَطِبَةٍ أمَامَ الشَّمْسِ،
تَنْشُرُ أغْصَانَهَا فَوْقَ بُستَانٍ.
17 جُذُورُهَا مُتَشَابِكَةٌ حَوْلَ كَومَةٍ مِنَ الحِجَارَةِ.
تَنْمُو بَيْنَ الصُّخُورِ.
18 وَإذَا اقتُلِعَتْ،
يُنْكِرُهَا مَكَانُهَا وَيَقُولُ مَا رَأيْتُكِ مِنْ قَبْلُ.
19 هَكَذَا تَذْوِي حَيَاةُ النَّبْتَةِ،
وَمِنَ الأرْضِ تَنْمُو أُخْرَى غَيرُهَا.
20 لَا يَرْفُضُ اللهُ الرَّجُلَ الكَامِلَ،
وَلَا يَأْخُذُ بِيَدِ الأشْرَارِ.
21 سَيَملأُ فَمَكَ ضَحِكًا
وَشَفَتَيْكَ أغَانِي فَرَحٍ.
22 سَيَلبَسُ مُبغِضُوكَ الخِزيَ،
وَسَتَخْتَفِي بُيُوتُ الأشْرَارِ.»

رَدُّ أيُّوبَ عَلَى بِلْدَد

فَأجَابَ أيُّوبُ وَقَالَ:

«أعْلَمُ أنَّكَ عَلَى صَوَابٍ.
فَكَيْفَ يَتَبَرَّرُ الإنْسَانُ أمَامَ اللهِ؟
إنْ أرَادَ اللهُ أنْ يَتَّهِمَهُ،
فَلَنْ يَسْتَطِيعَ أنْ يُعطِيَهِ جَوَابًا شَافِيًا
وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ ألفٍ.
فَاللهُ كَامِلُ الحِكْمَةِ وَالقُوَّةِ.
مَنْ عَانَدَهُ وَسَلِمَ؟
هُوَ الَّذِي يُحَرِّكُ الجِبَالَ دُونَ أنْ تَعْلَمَ،
وَيَقْلِبُهَا عِنْدَمَا يَغْضَبُ.
هُوَ الَّذِي يَهُزُّ الأرْضَ مِنْ مَكَانِهَا،
فَتَرْتَجِفُ أسَاسَاتُهَا.
هُوَ الَّذِي يَأْمُرُ قُرْصَ الشَّمْسِ فَلَا تُشرِقُ،
وَيُغَطِّي النُّجُومَ فَلَا تُشِّعُّ.
هُوَ وَحْدَهُ الَّذِي يَبْسِطُ السَّمَاوَاتِ،
وَيَمْشِي عَلَى أموَاجِ البَحْرِ.

«هُوَ الَّذِي صَنَعَ الدُّبَّ الأكبَرَ
وَالجَبَّارَ وَالثُرَيَّا وَكَوَاكِبَ الجَنُوبِ.[a]
10 هُوَ الَّذِي صَنَعَ عَجَائِبَ أعْظَمَ مِنْ أنْ تُدرَكَ،
وَأكثَرَ مِنْ أنْ تُعَدَّ.
11 هَا هُوَ اللهُ يَمُرُّ بِي فَلَا أرَاهُ،
يَتَجَاوَزُنِي فَلَا ألحَظُهُ.
12 إذَا خَطَفَ شَيْئًا،
مَنْ يَسْتَطِيعُ أنْ يَرُدَّهُ،
أوْ مَنْ سَيَقُولُ لَهُ مَاذَا تَفْعَلُ؟
13 لَنْ يَرْجِعَ عَنْ غَضَبِهِ.
قَدِ انحَنَى لَهُ كُلُّ مُسَاعِدي رَهَبَ.[b]
14 فَكَيْفَ أُجِيبُهُ إذًا؟
وَكَيْفَ أنتَقِي كَلِمَاتِي حِينَ أرُدُّ عَلَيْهِ؟
15 فَرُغْمَ بَرَاءَتِي لَا أملُكُ أنْ أُجِيبَهُ،
بَلْ أسْتَرْحِمُ دَيَّانِي.
16 حَتَّى إنْ دَعَوتُ اللهَ فَأجَابَنِي،
لَا أُصَدِّقُ أنَّهُ يُصغِي إلَى صَوْتِي!
17 هُوَ الَّذِي يَضْرِبُنِي بِمَصَائِبَ كَالعَاصِفَةِ،
وَيُكَثِّرُ جُرُوحِي دُونَ سَبَبٍ.
18 لَا يَدَعُنِي ألتَقِطُ أنفَاسِي،
بَلْ يُشبِعُنِي مَرَارَةً.
19 إنْ كَانَتْ مَسْألَةَ قُوَّةٍ، فَهُوَ أقوَى.
وَإنْ كَانَتْ مَسْألَةَ عَدلٍ،
فَمَنْ يَسْتَطِيعُ أنْ يَدْعُوهُ إلَى مُحَاكَمَةٍ؟
20 رُغْمَ اسْتِقَامَتِي وَرُغْمَ بَرَاءَتِي،
فَإنَّ مَا أقُولُهُ يُظهِرُنِي مُذْنِبًا.
21 أنَا مُسْتَقِيمٌ وَبَريءٌ،
وَلَا أهتَمُّ لِنَفْسِي.
أحتَقِرُ حَيَاتِي.
22 أقُولُ إنَّ هُنَاكَ نَتِيجَةً وَاحِدَةً:
اللهُ يُنْهِي حَيَاةَ الصَّالِحِ وَالشِّرِّيرِ مَعًا.
23 فَإنْ جَاءَتْ مُصِيبَةٌ وَقَتَلَتْ مَنْ قَتَلَتْ،
أيَضْحَكُ اللهُ عِنْدَ مَوْتِ الأبرِيَاءِ؟
24 الأرْضُ مَوضُوعَةٌ تَحْتَ سُلطَةِ الأشْرَارِ،
وَقَدْ حَجَبَ اللهُ الحَقَّ عَنِ القُضَاةِ.
إنْ لَمْ يَكُنِ اللهُ وَرَاءَ هَذِهِ الأُمُورِ، فَمَنْ إذًا؟

25 «أيَّامِي أسرَعُ مِنْ عَدَّاءٍ
تَعْدُو هَارِبَةً،
وَمَا مِنْ شَيءٍ صَالِحٍ يَحْدُثُ فِيهَا.
26 تَمُرُّ كَسُفُنِ القَصَبِ.
تَنْقَضُّ سَرِيعًا كَمَا يَنْقَضُّ النَّسرُ عَلَى فَرِيسَتِهِ.

27 «لَوْ قُلْتُ سَأنْسَى شَكوَايَ وَحُزنِي،
وَرَسَمْتُ ابتِسَامَةً عَلَى وَجْهِي،
28 أظَلُّ أخشَى كُلَّ ألَمِي،
وَأعْرِفُ أنَّكَ يَا اللهُ لَنْ تُبَرِّئَنِي.
29 إنْ كُنْتَ سَتَجِدُنِي مُذْنِبًا،
لِمَاذَا أُتعِبُ نَفْسِي بِلَا فَائِدَةٍ؟
30 فَلَوْ غَسَلْتُ نَفْسِي بِثَلجٍ مُذَابٍ،
وَنَقَّيتُ يَدَيَّ بِالصَّابُونِ،
31 فَسَيَغْمِسُنِي اللهُ فِي وَحلِ الهَاوِيَةِ،
إلَى أنْ تَشْمَئِزَّ ثِيَابِي مِنِّي.
32 لَيْسَ اللهُ إنْسَانًا مِثْلِي فَأرُدَّ عَلَيْهِ،
أوْ كَي نَجتَمِعَ مَعًا فِي مَحكَمَةٍ.
33 لَيْسَ مِنْ وَسِيطٍ بَيْنَنَا،
يَضَعُ يَدَهُ عَلَى كِلَينَا.
34 لَوْ أنَّهُ يَرْفَعُ عَنِّي عَصَا عِقَابِهِ،
فَلَا يُرعِبُنِي رُعبًا.
35 عِنْدَ ذَلِكَ سَأتَكَلَّمُ دُونَ أنْ أخَافَ،
أمَّا الآنَ فَلَا أسْتَطِيعُ.

10 «عِفْتُ حَيَاتِي.
سَأنطِقُ بِشَكوَايَ،
وَسَأتَكَلَّمُ بِمَا فِي نَفْسِي مِنْ مِرَارَةٍ.
وَسَأقُولُ للهِ لَا تُدِنِّي،
عَرِّفنِي مَا تَتَّهِمُنِي بِهِ.
فَهَلْ يَسُرُّكَ أنْ تَظْلِمَنِي وَتَرْفُضَ عَمَلَ يَدَيْكَ؟
بَيْنَمَا تُشرِقُ علَى مُخَطَّطَاتِ الأشْرَارِ؟
هَلْ عَينَاكَ كَعَينَيِّ الإنْسَانِ،
أمْ أنَّكَ تَرَى الأُمُورَ كَمَا يَرَاهَا الإنْسَانُ؟
هَلْ أيَّامُكَ كَأيَّامِ البَشَرِ،
فَتَمُرُّ عَلَيْكَ السَّنَوَاتُ كَمَا تَمُرُّ عَلَى الإنْسَانِ؟
أسألُ هَذَا لِأنَّكَ تُفَتِّشُ عَنْ إثمِي
وَتَبْحَثُ عَنْ خَطِيَّتِي،
وَأنْتَ تَعْلَمُ أنِّي لَمْ أقتَرِفْ ذَنبًا،
وَلَا مَهرَبَ مِنْكَ.
يَدَاكَ اللَّتَانِ شَكَّلَتَانِي وَصَنَعَتَانِي،
حَاصَرَتَانِي الآنَ وَدَمَّرَتَانِي.
اذكُرْ أنَّكَ صَنَعْتَنِي طِينًا،
فَهَلْ تُرْجِعُنِي ثَانِيَةً إلَى تُرَابٍ.
10 ألَمْ تَسْكُبْنِي كَمَا يُسكَبُ الحَلِيبُ،
وَتُخَثِّرُنِي كَمَا يُخَثَّرُ الجُبْنُ؟
11 ألبَسْتَنِي جِلْدًا وَلَحْمًا،
وَنَسَجْتَنِي مَعًا بِعِظَامٍ وَأعْصَابٍ.
12 أعْطَيتَنِي حَيَاةً وَنِعْمَةً،
وَرَعَيتَ رُوحِي بِعِنَايَتِكَ.
13 كَانَتْ هَذِهِ خُطَّتَكَ المَكتُومَةَ،
وَأنَا أعْلَمُ أنَّ هَذَا هُوَ قَصدُكَ.
14 إنْ أخْطَأتُ سَتُرَاقِبُنِي،
وَلَنْ تُبرِّئَنِي مِنْ شَرِّي.
15 إنْ تَعَدَّيتُ حُدُودَكَ، فَالوَيلُ لِي!
وَحَتَّى إنْ كُنْتُ بَرِيئًا، فَإنِّي لَا أقدِرُ أنْ أرفَعَ رَأسِي.
أنَا فِي خِزيٍ كَامِلٍ،
وَكُلِّي آلَامٌ.
16 إذَا رَفَعْتُ نَفْسِي فَسَوفَ تَطَارِدُنِي كَأسَدٍ،
وَتَعُودُ وَتُظهِرُ تَمَيُّزَ عَظَمَتِكَ عَلَيَّ.
17 تَسْتَدْعِي شُهُودًا كَثِيرِينَ ضِدِّي،
وَيَزدَادُ غَضَبُكَ عَلَيَّ.
فَتُرسِلُ جَيْشًا بَعْدَ جَيْشٍ ضِدِّي.
18 لِمَ أخرَجتَنِي مِنْ بَطنِ أُمِّي؟
لِمَ لَمْ أمُتْ قَبْلَ أنْ يَرَانِي أحَدٌ؟
19 لَيتَنِي لَمْ أُولَدْ قَطُّ،
لَيتَنِي نُقِلتُ مِنَ البَطْنِ إلَى القَبْرِ.
20 ألَيْسَتْ أيَّامِي قَصِيرَةً؟
فَدَعْنِي إذًا، فأسْتَمْتِعْ قَلِيلًا،
21 قَبْلَ أنْ أمْضِيَ دُونَ رَجْعَةٍ
إلَى مَكَانِ الظَّلمَةِ وَعَتَمَةِ المَوْتِ،
22 مَكَانِ ظَلمَةٍ مُخِيفٍ وَمَوْتٍ،
أرْضِ اضطِرَابٍ حَيْثُ النُّورُ كَظُلْمَةٍ عَمِيقَةٍ.»

حَدِيثُ صُوفَر

11 فَأجَابَ صُوفَرُ النَّعْمَاتِيُّ:

«هَلْ سَيَمُرُّ هَذَا الكَلَامُ كُلُّهُ دُونَ جَوَابٍ؟
وَهَلْ تَظْهَرُ بَرَاءَةُ الإنْسَانِ بِكَثرَةِ ثَرْثَرَتِهِ؟
هَلْ يُسْكِتُ كَلَامُكَ الفَارِغُ السَّامِعِينَ؟
وَعِنْدَمَا تَسْخَرُ، أفَلَيْسَ مَنْ يُخْجِلُكَ؟
تَقُولُ حُجَجِي صَحِيحَةٌ،
وَأنَا طَاهِرٌ فِي عَيْنَيْكَ يَا اللهُ.
لَكِنْ لَيْتَ اللهَ يَتَكَلَّمُ،
وَيَتَحَدَّثُ إلَيْكَ،
وَيُعلِنُ أسرَارَ الحِكْمَةِ لَكَ،
لِأنَّ لِكُلِّ حُجَّةٍ جَانِبَينِ.
وَاعلَمْ بِأنَّ اللهَ يُعَاقِبُكَ بِأقَلَّ مِمَّا تَسْتَحِقُّ!

«أتَظُنُ أنَّكَ تَفْهَمُ أعْمَاقَ اللهِ،
أوْ تَصِلُ إلَى المَعْرِفَةِ الكَامِلَةِ لِلقَدِيرِ؟
هِيَ أعْلَى مِنَ السَّمَاوَاتِ،
فَمَاذَا عَسَاكَ تَفْعَلُ؟
وَأعمَقُ مِنَ الهَاوِيَةِ،
فَمَاذَا تَدْرِي عَنْهَا؟
هِيَ أطوَلُ مِنَ الأرْضِ،
وَأعرَضُ مِنَ البَحْرِ.

10 «إنْ مَرَّ وَأمسَكَ بِإنْسَانٍ وَقَادَهُ إلَى المَحْكَمَةِ،
فَمَنْ يَسْتَطِيعُ أنْ يُقَاوِمَهُ؟
11 لِأنَّ اللهَ يَعْرِفُ أُولَئِكَ البَاطِلِينَ.
حِينَ يَرَى الشَّرَّ، أفَلَا يَنْتَبِهُ؟
12 سَيَكْتَسِبُ فَارِغُ العَقلِ فَهْمًا،
حِينَ يَلْدُ الحِمَارُ البَرِّيُّ إنْسَانًا!

13 «فَإنْ وَجَّهْتَ قَلْبَكَ إلَى اللهِ،
وَمَدَدْتَ يَدَكَ نَحوَهُ،
14 إذَا نَفَضتَ الشَّرَّ مِنْ يَدِكَ،
وَلَمْ تَسْمَحْ لِلإثمِ بِأنْ يَسْكُنَ بَيْتَكَ،
15 فَسَتَرْفَعُ وَجْهَكَ دُونَ خَجَلٍ مِنْ عَيْبٍ،
وَسَتَقِفُ آمِنًا بِلَا خَوفٍ.
16 لِأنَّكَ سَتَنْسَى ضِيقَكَ،
وَلَنْ تَذْكُرَهُ إذْ سَيَكُونُ كَميَاهٍ جَارِيَةٍ تَعْبُرُ.
17 سَتَسْطِعُ الحَيَاةُ أكْثَرَ مِنْ شَمْسِ الظَّهِيرَةِ،
وَتَكُونُ ظُلمَتُهَا كَنُورِ الصَّبَاحِ.
18 وَتَطْمَئِنُّ لِأنَّ لَكَ رَجَاءً،
تَنْظُرُ حَوْلَكَ وَتَنَامُ دُونَ هَمٍّ.
19 وَعِنْدَمَا تَضْطَجِعُ،
لَنْ يُرْهِبَكَ أحَدٌ.
سَيطلُبُ عَونَكَ كَثِيرُونَ.
20 أمَّا عُيُونُ الأشْرَارِ فَتَبْلَى.
لَنْ يَجِدُوا مَهْرَبًا،
وَرَجَاؤُهُمُ الأخِيرُ يَمْضِي كَالرِّيحِ.»

رَدُّ أيُّوبَ عَلَى صُوفَر

12 فَأجَابَ أيُّوبُ:

«لَا بُدَّ أنَّكُمْ أهْلُ الحِكْمَةِ.
وَتَمُوتُ الحِكْمَةُ بِمَوْتِكُمْ!
لَكِنْ لِي أنَا أيْضًا عَقلٌ مِثْلَكُمْ،
فَلَسْتُ أقِلَّ مِنْكُمْ.
فَمَنْ لَا يَعْرِفُ هَذَا الَّذِي تَقُولُونَهُ؟

«هَا قَد أصبَحْتُ أُضْحُوكَةً لِأصدِقَائِي.
يَقُولُونَ دَعَا اللهَ،
فَاسْتَجَابَ إلَيْهِ بِالآلَامِ.
فَهَا هُوَ البَّارُّ وَالمُسْتَقِيمُ يُصْبِحُ أُضْحُوكَةً.
فَالَّذِينَ يَعِيشُونَ حَيَاةً هَانِئَةً،
يَسْتَخِفُّونَ بِمَصَائِبِ الآخَرِينَ،
يَضْرِبُونَ الإنْسَانَ بَعْدَ أنْ يَسْقُطَ!
بُيُوتُ اللُّصُوصِ تَسْلَمُ،
وَالَّذِينَ يُغِيظُونَ اللهَ يَعِيشُونَ بِأمَانٍ!
مَعَ أنَّ مَصَائِرَهُمْ فِي يَدِ اللهِ!

«اسْألِ البَهَائِمَ فَتُعَلِّمَكَ،
وَطُيُورَ السَّمَاءِ فَسَتُخبِرَكَ.
أوْ حَدِّثِ الأرْضَ فَتُرشِدَكَ،
أوْ سَمَكَ البَحْرِ فَيَرْوِيَ لَكَ.
مَنْ مِنْهَا لَا يَعْرِفُ أنَّ يَدَ اللهِ
هِيَ الَّتِي فَعَلَتْ هَذَا بِكَ،
10 فَهُوَ يَتَحَكَّمُ بِنَفَسِ كُلِّ شَيءٍ حَيٍّ،
وَبِرُوحِ كُلِّ بَشَرٍ.
11 ألَا تَزِنُ الأُذُنُ الكَلَامَ،
كَمَا يَفْحَصُ اللِّسَانُ الطَعَامَ؟
12 هَلِ الحِكْمَةُ لِلشُّيُوخِ،
وَالفَهُمُ لِمَنْ يَعِيشُونَ طَوِيلًا؟
13 بَلِ الحِكْمَةُ وَالقُوَّةُ للهِ،
لَهُ الحُكْمُ الصَّائِبُ وَالفَهْمُ.
14 إذَا هَدَمَ، فَلَا أحَدَ يَبْنِي.
إذَا أغلَقَ عَلَى أحَدٍ، فَلَا أحَدَ يَفْتَحُ.
15 إذَا حَجَزَ المَطَرَ، يَجِفُّ كُلَّ شَيءٍ،
وَإذَا أرْسَلَهُ، فَإنَّهُ يَغْمُرُ الأرْضَ.
16 لَهُ القُوَّةُ وَالحِكْمَةُ.
الرَّابِحُونَ وَالخَاسِرُونَ كُلُّهُمْ للهِ.
17 يَنْزِعُ الحِكْمَةَ مِنَ النَّاصِحِينَ،
وَيَجْعَلُ القُضَاةَ يَبْدُونَ كَحَمقَى.
18 يَنْزِعُ قُوَّةَ المُلُوكِ،
وَيُطَوِّقُهُمْ بِقُيُودٍ.
19 يَنْزِعُ قُوَّةَ الكَهَنَةِ،
وَيُنزِلُ ذَوِي المَرَاكِزِ الَّتِي يَظُنُّونَهَا خَالِدَةً.
20 يُخْرِسُ النَّاصِحِينَ المُؤتَمَنِينَ،
وَيَنْزِعُ حُسْنَ التَمْيِيزِ مِنَ الشُّيُوخِ.
21 يَسْكُبُ الخَجَلَ عَلَى النُّبَلَاءِ،
وَيَنْزِعُ قُوَّةَ الأقوِيَاءِ.
22 يَكْشِفُ أعمَقَ أسرَارِ الظُلمَةِ،
وَيُعلِنَ مَا هُوَ مُظلِمٌ كَالمَوْتِ.
23 يُقَوِّي الأُمَمَ، ثُمَّ يُدَمِّرُهَا،
يُوَسِّعُ حُدُودَ البِلَادِ، ثُمَّ يُشَتِّتُ شُعُوبَهَا.
24 يَنْزِعُ فَهْمَ قَادَةِ شَعْبِ الأرْضِ،
وَيُضِلُّهُمْ فِي أرْضٍ قَاحِلَةٍ بِلَا طَرِيقٍ.
25 فَيَدُورُونَ كَالسُّكَارَى،
يَتَلَمَّسُونَ طَرِيقَهُمْ فِي الظُّلمَةِ دُونَ نُورٍ.

13 «هَا قَدْ رَأتْ عَيْنِي هَذَا كُلَّهُ،
وَسَمِعَتْهُ أُذُنِي وَفَهِمَتْهُ.
فَأنَا أعْرِفُ مَا تَعْرِفُونَ،
فَلَسْتُ دُونَكُمْ.
غَيْرَ أنِّي أوَدُّ أنْ أتَحَدَّثَ إلَى القَدِيرِ،
وَأُحَاجِجَهُ بِشَأنِ قَضِيَّتِي.
لَكِنَّكُمْ تُحِبُّونَ أنْ تَسْتُرُوا جَهلَكُمْ بِالكَذِبِ،
كُلُّكُمْ أطِبَّاءٌ عَاجِزُونَ.
لَيتَكُمْ تَصْمِتُونَ!
فَيَكُونُ هَذَا أحكَمَ شَيءٍ تَفْعَلُونَهُ!

«اسْمَعُوا رَأيِي،
وَانتَبِهُوا لِلحُجَجِ الَّتِي سَأطرَحُهَا.
هَلْ تَكْذِبُونَ لِأجْلِ اللهِ،
وَتَتَحَدَّثُونَ بِالغِشِّ لِمَصلَحَتِهِ؟
هَلْ تَتَمَلَّقُونَ اللهَ،
وَتُدَافِعُونَ عَنْ قَضِيَّتِهِ؟
إنْ فَحَصَكُمُ اللهُ، أيَقُولُ إنَّكُمْ عَلَى صَوَابٍ؟
أمْ تَسْتَطِيعُونَ خِدَاعَهُ
كَمَا يَخْدَعُ البَشَرُ أحَدُهُمُ الآخَرَ؟
10 لَا شَكَّ فِي أنَّهُ سَيُؤَدِّبُكُمْ
إنْ كُنْتُمْ مُتَحَيِّزِينَ فِي السِّرِّ.
11 ألَا يُرعِبُكُمْ حِينَ يَنْهَضُ؟
ألَا تَخَافُونَهُ؟
12 حَفِظتُمْ أمثَالًا تَافِهَةً كَالرَّمَادِ تُجَادِلُونَ بِهَا،
وَأجوِبَتُكُمْ هَشَّةٌ كَالطِّينِ.

13 «اصمُتُوا وَدَعُونِي أتَكَلَّمْ،
وَلِيَحْدُثْ لِي مَا يَحْدُثُ.
14 لِمَاذَا أُخَاطِرُ بِحَيَاتِي،
وَأضَعُ نَفْسِي فِي كَفِّي؟
15 هَلْ سَيَقْتُلُنِي اللهُ؟
حَتَّى لَوْ فَعَلَ، فَرَجَائِي فِيهِ.
غَيْرَ أنِّي سَأُدَافِعُ عَنْ نَفْسِي أمَامَ وَجْهِهِ.
16 فَهُوَ نَفْسُهُ سَيُخَلِّصُنِي،
لِأنَّ الفَاجِرَ لَا يَسْتَطِيعُ أنْ يَقِفَ أمَامَهُ.
17 انتَبِهُوا لِمَا أقُولُ،
وَاصْغُوا لِمَا أُخبِرُكُمْ بِهِ.
18 هَا أنَا قَدْ أعدَدتُ دِفَاعِي،
وَأنَا أعْلَمُ أنِّي سَأُبَرَّأُ.
19 فَمَنْ يُثبِتُ تُهمَةً عَلَيَّ؟
فَإنْ فَعَلَ فَإنِّي سَأخرَسُ وَأمُوتُ.

20 «لَكِنِّي أسألُكَ أنْ لَا تَفْعَلَ أمرَينَ بِي،
حِينَئِذٍ، لَنْ أختَبِئَ مِنْكَ.
21 أبْعِدْ يَدَكَ عَنِّي،
وَتَوَقَّفْ عَنْ تَرْهِيبِي بِخَوفِكَ.
22 ادْعُنِي وَأنَا سَأُجِيبُ.
أوْ دَعْنِي أتَكَلَّمْ، وَأجِبْ أنْتَ.
23 كَمْ هِيَ ذُنُوبِي وَخَطَايَايَ؟
أرِنِي أيْنَ جَرِيمَتِي وَخَطِيَّتِي.
24 لِمَاذَا تُخفِي عَنِّي وَجْهَكَ،
وَتَعْتَبِرُنِي عَدُوَّكَ؟
25 أتُرعِبُ وَرَقَةً تَحْمِلُهَا الرِّيحُ،
أمْ تُطَارِدُ قَشَّةً يَابِسَةً؟
26 لِأنَّكَ كَتَبْتَ تُهَمًا لَاذِعَةً ضِدِّي،
وَجَعَلتَنِي أُعَانِي بِسَبَبِ آثَامِ شَبَابِي.
27 تُقَيِّدُ قَدَمَيَّ بِالحَدِيدِ وَالخَشَبِ،
تُرَاقِبُ كُلَّ مَكَانٍ أذهَبُ إلَيْهِ،
وَتُرَاقِبُ كُلَّ خُطوَةٍ أخطُوهَا.
28 وَأنَا أتلَفُ كَشَيءٍ عَفِنٍ،
كَثَوبٍ يَأْكُلُهُ العُثُّ.

14 «الإنْسَانُ المَولُودُ مِنِ امْرأةٍ
حَيَاتُهُ قَصِيرَةٌ وَمَليئَةٌ بِالشَّقَاءِ.
كَزَهرَةٍ تَنْمُو حَيَاةُ الإنْسَانِ ثُمَّ تَذْوِي،
وَتَهْرُبُ كَظِلٍّ لَا يَدُومُ.
وَمَعَ ذَلِكَ، فَأنْتَ، يَا اللهُ، تَفْتَحُ عَيْنَيْكَ عَلَيَّ،
وَتَقُودُنِي إلَى المُحَاكَمَةِ مَعَكَ.

«مَنْ يَقْدِرُ أنْ يَجْعَلَ النَّجِسَ طَاهِرًا؟
لَا أحَدُ!
مَا دَامَت أيَّامُ حَيَاتِهِ مُحَدَّدَةٌ سَلَفًا،
وَطُولُ عُمرِهِ مَعلُومًا لَدَيكَ،
فَلَا يُمْكِنُ أنْ يَتَغَيَّرَ.
أبْعِدْ عَيْنَيْكَ عَنْهُ وَدَعْهُ وَشَأنَهُ،
لِكَي يَتَمَتَّعَ بِحَيَاتِهِ كَمَا يَفْعَلُ الأجِيرُ.

«لِلشَّجَرَةِ رَجَاءٌ.
إنْ قُطِعَتْ فَإنَّهَا تَنْمُو مِنْ جَدِيدٍ،
وَأغْصَانُهَا تَظَلُّ تَنْبُتُ.
وَإذَا شَاخَ فِي الأرْضِ جِذْرُهَا،
وَمَاتَ فِي التُّرَابِ جِذعُهَا،
فَبِالمَاءِ القَلِيلِ تَعُودُ فَتُزْهِرُ،
وَتُنتِجُ أغْصَانًا كَنَبْتَةٍ جَدِيدَةٍ.
10 أمَّا الإنْسَانُ فَيَضْعُفُ وَيَمُوتُ.
يَفْقِدُ الإنْسَانُ صِحَّتَهُ،
فَأينَ يَكُونُ عِنْدَ ذَلِكَ؟
11 تَنْفَدُ المِيَاهُ مِنْ بُحَيرَةٍ،
وَيَنْشَفُ النَّهرُ مِنْ مَصْدَرِهِ.
12 هَكَذَا أيْضًا يَضْطَجِعُ الإنْسَانُ وَلَا يَنْهَضُ.
فَلَنْ يَسْتَيْقِظَ المَوْتَى أوْ يَقُومُونَ مِنْ نَومِهِمْ،
إلَّا حِينَ تَزُولُ السَّمَاوَاتُ.

13 «لَيتَكَ تَخْفِينِي فِي الهَاوِيَةِ،
وَتُخَبِّئُنِي حَتَّى يَهْدَأ غَضَبُكَ.
لَيتَكَ تُحَدِّدُ لِي وَقْتًا تَذْكُرُنِي فِيهِ.
14 إنْ مَاتَ إنْسَانٌ، فَهَلْ يَحيَا ثَانِيَةً؟
إذًا سَأنتَظِرُ كُلَّ أيَّامِ جُندِيَّتِي،
حَتَّى يأتِيَ إعفَائِي.
15 سَتَدْعُونِي فَأُلَبِّي،
فَأنْتَ تَشتَاقُ إلَى عَمَلِ يَدَيْكَ.
16 حِينَئِذٍ، سَتُرَاقِبُ خُطُواتِي،
وَلَنْ تَتَرَصَّدَ خَطَايَايَ.
17 سَتَضَعُ خَطِيَّتِي فِي كِيسٍ مَختُومٍ،
وَسَتَسْتُرُ إثمِي فَلَا تَرَاهُ.

18 «لَكِنْ كَمَا يَسْقُطُ جُزءٌ مِنَ الجَبَلِ وَيُجرَفُ،
وَكَمَا تُزَحْزَحُ الصَّخرَةُ مِنْ مَكَانِهَا،
19 وَكَمَا تَتَآكَلُ الحِجَارَةُ بِالمَاءِ،
وَتَغْسِلُ السُّيُولُ تُرَابَ الأرْضِ،
هَكَذَا تُدَمِّرُ يَا اللهُ رَجَاءَ الإنْسَانِ الفَانِي.
20 تَهْزِمُهُ وَتَنْتَصِرُ عَلَيْهِ، فَيَمْضِي.
تُرسِلُهُ إلَى المَوْتِ
بَعْدَ أنْ غَيَّرتِ الهَزِيمَةُ وَجْهَهُ!
21 إذَا أُكْرِمَ أبْنَاؤُهُ، فَإنَّهُ لَا يَعْلَمُ،
وَإذَا ذَلُّوا، فَإنَّهُ لَا يَدْرِي.
22 غَيْرَ أنَّ جَسَدَهُ يَتَألَّمُ،
وَلَا يَنُوحُ إلَّا عَلَى نَفْسِهِ.»

حَدِيثُ ألِيفَاز

15 فَأجَابَ ألِيفَازُ التَّيمَانِيُّ:

«أيُجِيبُ الحَكِيمُ بِكَلَامٍ فَارِغٍ؟
بَطنُهُ مَلِيءٌ بِالهَوَاءِ.
هَلْ يُجَادِلُ بِكَلَامٍ لَا يُفِيدُ،
وَبِأقْوَالٍ لَا تَنْفَعُ؟
فَإنَّكَ تُبعِدُ النَّاسَ عَنِ مَخَافَةِ اللهِ،
وَتُعِيقُ التَّأمُّلَ فِي حَضْرَتِهِ.
فَمُكَ يُظهِرُ ذَنبَكَ،
لِأنَّ لِسَانَكَ يَختَارُ الكَلِمَاتِ بِاحتِيَالٍ.
فَمُكَ يَدِينُكَ، لَا أنَا.
إذْ تَشْهَدُ عَلَيْكَ شَفَتَاكَ.

«أأنْتَ أوَّلُ المَولُودِينَ مِنَ البَشَرِ؟
هَلْ خُلِقْتَ قَبْلَ التِّلَالِ؟
هَلْ كُنْتَ حَاضِرًا تَسْمَعُ مَشُورَةَ اللهِ؟
هَلِ الحِكْمَةُ مَقصُورَةٌ عَلَيْكَ؟
مَا الَّذِي تَعْرِفُهُ أنْتَ وَلَا نَعْرِفُهُ نَحْنُ،
مَا الَّذِي تَفْهَمُهُ أنْتَ وَلَا نَفهَمُهُ نَحْنُ؟
10 بَيْنَنَا الأشيَبُ وَالعَجُوزُ،
وَهُوَ أكبَرُ سِنًّا مِنْ أبِيكَ.
11 هَلْ تَسْتَخِفُّ بِتَعْزِيَاتِ اللهِ لَكَ،
وَالكَلِمَاتِ الرَّفِيقَةِ بِكَ؟
12 لِمَاذَا تَسْمَحُ لِقَلْبِكَ بِأنْ يَأْخُذَكَ بَعِيدًا،
حَتَّى إنَّ عَيْنَيْكَ تُظهِرَانِ ذَلِكَ؟
13 إنَّكَ تَنْقَلِبُ عَلَى اللهِ،
وَتُطلِقُ مِثْلَ هَذِهِ الأقْوَالَ مِنْ فَمِكَ.

14 «مَا هُوَ الإنْسَانُ لِيَكُونَ طَاهِرًا،
أوِ المَولُودُ مِنَ المَرْأةِ لِيَكُونَ بَارًّا،
15 فَاللهُ لَا يَتَّكِلُ عَلَى مَلَائِكَتِهِ المُقَدَّسِينَ،[c]
حَتَّى السَّمَاوَتُ غَيْرُ طَاهِرَةٍ فِي عَيْنَيْهِ.
16 فَكَمْ بِالحِرِيِّ يَكُونُ
ذَلِكَ الإنْسَانُ المَكرُوهُ الفَاسِدُ،
الَّذِي يَشْرَبُ الإثمَ كَالمَاءِ.

17 «سَأُفْهِمُكَ قَصدِي، فَاسْتَمِعْ إلَيَّ.
لَقَدْ رَأيْتُ هَذَا، فَدَعْنِي أُخبِرُكَ عَنْهُ.
18 هُوَ شَيءٌ قَالَهُ الحُكَمَاءُ،
وَلَمْ يُخْفِهِ آبَاؤُهُمْ عَنْهُمْ.
19 أُعْطِيَتِ الأرْضَ لَهُمْ وَحدَهُمْ.
وَلَمْ يَعْبُرْ غَرِيبٌ طَرِيقَهُمْ.
20 يَتَلَوَّى الشِّرِّيرُ طَوَالَ حَيَاتِهِ ألَمًا،
كَذلِكَ الظَّالِمُ يُعَانِي كُلَّ حَيَاتِهِ.
21 يَتَخَيَّلُ أصْوَاتَ الرُّعبِ فِي أُذُنَيهِ،
وَفِي وَقْتِ سَلَامِهِ، يَأْتِيهِ الغُزَاةُ.
22 لَا رَجَاءَ لَهُ فِي أنْ يَعُودَ مِنَ الظُّلمَةِ،
وَهُنَاكَ سَيفٌ بِانْتِظَارِهِ.
23 سَيُلقَى بِهِ طَعَامًا لِلنُّسُورِ،[d]
وَهُوَ يَعْرِفُ أنَّ يَوْمَ الظُلمَةِ قَرِيبٌ.
24 يُرعِبُهُ البَلَاءُ وَالضِّيقُ،
وَيُرْهَبَانِهِ كَمَلِكٍ يَتَهَيَّأُ لِلهُجُومِ.
25 لِأنَّهُ مَدَّ يَدَهُ ضِدَّ اللهِ،
وَوَاجَهَ القَدِيرَ بِوَقَاحَةٍ.
26 بِعِنَادٍ هَاجَمَهُ،
وَبِدِرْعٍ تَقَدَّمَ ضِدَّهُ.
27 فَمَعْ أنَّهُ تَغَطَّى وَجْهُهُ وَخَاصِرَتَاهِ مِنَ الشَّحْمِ،
28 سَيَسْكُنُ مُدُنَ الأشْبَاحِ،
فِي بُيُوتٍ مَهجُورَةٍ مَصِيرُهَا أكْوَامٌ مِنْ حُطَامٍ.
29 لِهَذَا لَنْ يَكُونَ الشِّرِّيرُ غَنِيًّا فِيمَا بَعْدُ،
وَقُوَّتُهُ لَنْ تَدُومَ،
وَمَمتَلَكَاتُهُ لَنْ تَمْتَدَّ فِي الأرْضِ.
30 لَنْ يَجِدَ مَهرَبًا مِنَ الظُلمَةِ،
وَيَكُونُ كَشَجَرَةٍ يَبَّسَ المَرَضُ أغْصَانَهَا،
وَطَيَّرَتِ الرِّيَاحُ أوْرَاقَهَا.
31 لَا يَنْبَغِي أنْ يَتَّكِلَ عَلَى أُمُورٍ فَارِغَةٍ،
فَيَخْدَعَ نَفْسَهُ.
لِأنَّ الفَرَاغَ سَيَكُونُ مُكَافَأتَهُ.
32 وَسَيَمُوتُ قَبْلَ وَقْتِهِ،
كَشَجَرَةٍ اصفَرَّتْ قِمَّتُهَا.
33 وَيَكُونُ كَكَرمَةٍ تَفْقِدُ عِنَبَهَا قَبْلَ نُضْجِهِ،
أوْ كَزَيْتُونَةٍ تُسْقِطُ بَرَاعِمَهَا.
34 لِأنَّ الأشرَارَ الفَاسِدِينَ عَقِيمُونَ لَا ثَمَرَ لَهُمْ،
وَالنَّارَ تَأْكُلُ المُتَعَامِلِينَ بِالرِّشوَةِ.
35 لِأنَّهُمْ يَحْبَلُونَ ضِيقًا،
وَيَلِدُونَ شَرًّا،
وَبُطُونُهُمْ تَلِدُ خِدَاعًا.»

رَدُّ أيُّوبَ عَلَى أليفَاز

16 فَأجَابَ أيُّوبُ:

«استَمَعتُ إلَى هَذِهِ الأفكَارِ كُلَّهَا،
وَكُلُّكُمْ مُعَزُّونَ مُتْعِبُونَ.
أمَا مِنْ نِهَايَةٍ لِهَذَا الكَلَامِ الفَارِغِ؟
فَمَا الَّذِي يُزعِجُكُمْ فَتُضْطَرُّونَ لِلكَلَامِ؟
لَوْ كَنتُمْ مَكَانِي،
لَكُنْتُ أسْتَطِيعُ أنَا أيْضًا أنْ أتَكَلَّمَ مِثْلَكُمْ.
أُهَاجِمُكُمْ بِالِاتِّهَامَاتِ،
وَأهُزُّ رَأسِي لَكُمْ.

«لَكِنِّي كُنْتُ سَأُشَجِّعُكُمْ بِكَلِمَاتِي،
وَأُخَفِّفُ أوجَاعَكُمْ بِكَلَامٍ مُعَزٍّ.

«إنْ تَكَلَّمْتُ، لَا يَخِفُّ ألَمِي،
وَإنِ امتَنَعْتُ عَنِ الكَلَامِ، لَا يَتَوَقَفُ.
هَا هُوَ اللهُ يُضعِفُنِي،
ألَمْ تُدَمِّرْ يَا اللهُ كُلَّ أهْلِي؟
مَلأتَ وَجْهِي بِالتَّجَاعِيدِ،
فَصَارَ هَذَا شَاهِدًا ضِدِّي.
قَامَ جِسْمِي الهَزِيلُ لِيَشْهَدَ عَنْ ذَنبِي.

«يُهَاجِمُنِي فِي غَضَبِهِ وَيُمَزِّقُنِي،
وَهُوَ يَصِّرُّ بِأسنَانِهِ عَلَيَّ.
وَيَنْظُرُ إلَيَّ عَدُوِّي بِكُرْهٍ.
10 يَفْتَحُ النَّاسُ أفوَاهَهُمْ لِيَفْتَرِسُونِي.
لَطَمُونِي عَلَى وَجْهِي استِهزَاءً،
وَاصطَفُّوا مَعًا ضِدِّي.
11 أسلَمَنِي اللهُ إلَى الشِّرِّيرِ،
وَرَمَانِي بَيْنَ يَدَي الأشْرَارِ.
12 كُنْتُ مُرتَاحًا فَحَطَّمَنِي.
أمسَكَ بِرَقَبَتِي وَكَسَّرَنِي تَكْسِيرًا.
نَصَبَنِي لَهُ هَدَفًا،
13 وَأحَاطَ بِي رُمَاةُ سِهَامِهِ.
شَقَّ كُلْيَتَيَّ شَقًّا دُونَ شَفَقَةٍ.
يَسْكُبُ مَرَارَتِي عَلَى الأرْضِ.
14 يَسْحَقُنِي مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ،
وَيَهْجُمُ عَلَيَّ كَمُقَاتِلٍ.

15 «لَبِستُ خَيْشًا عَلَى جِلْدِي،
وَمَرَّغتُ كِبرِيَائِي فِي التُّرَابِ.
16 احمَرَّ وَجْهِي مِنَ البُكَاءِ،
وَبَدَتْ حَوْلَ عَينَيَّ دَوَائِرُ سَودَاءُ.
17 مَعَ أنَّ يَدَيَّ لَمْ تُسِيئَا لِأحَدٍ،
وَصَلَاتِي نَقِيَّةٌ.

18 «لَا تُغَطِّي دَمِي يَا أرْضُ،[e]
وَلَا تَمْنَعِي صَرَخَاتِي مِنْ أنْ تُسمَعَ.
19 الآنَ يُوجَدُ شَاهِدٌ فِي السَّمَاءِ،
وَدَلِيلُ بَرَاءَتِي فِي الأعَالِي.
20 صَاحِبِي يُدَافِعُ عَنِّي،
بَيْنَمَا تَذْرِفُ عَيْنَايَ الدُمُوعَ للهِ.
21 سَيُحَاجِجُ عَنِّي فِي حَضْرَةِ اللهِ،
كَإنْسَانٍ يُدَافِعُ عَنْ صَدِيقِهِ.

22 «لِأنَّهُ بَعْدَ سَنَوَاتٍ قَلِيلَةٍ،
سَأمضِي فِي طَرِيقٍ لَا أعُودَ مِنْهَا.

17 «رُوحِي مُكَبَّلَةٌ،
وَحَيَاتِي مُطفَأةٌ،
وَالقَبرُ فِي انتِظَارِي.
يَهْزَأُ الجَمِيعُ بِي،
وَأنَا أُرَاقِبُ هُجُومَهُمْ عَلَيَّ بِشَرَاسَةٍ.

«كُنْ أنْتَ ضَامِنِي عِنْدَكَ،
فَمَنْ غَيرُكُ يَرْضَى أنْ يُصَافِحَ يَدِي؟
لِأنَّكَ أغلَقتَ عُقُولَ أصْحَابِي لِئَلَّا يَفْهَمُوا،
فَلَا تَدَعْهُمْ يَرْفَعُونَ أنْفُسَهُمْ عَلَيَّ.
مَعَ أنَّهُ يُقَالُ: ‹الصَّاحِبُ يَدْعَمُ أصْحَابَهُ،
حَتَّى لَوْ تَلِفَتْ عُيُونُ أوْلَادِهِ بُكَاءً!›
جَعَلَنِي اللهُ أُمثُولَةً لِشُعُوبِ الأرْضِ،
وَعَيَّنَ وَجْهِي لِلبُصَاقِ.
ضَعُفَتْ عَيْنَايَ مِنَ الحُزنِ.
وَصَارَتْ أعضَاءُ جَسَدِي هَزِيلَةً كَالظِّلِّ.
صُدِمَ المُسْتَقِيمُونَ مِنْ حَالَتِي،
وَانْزَعَجَ البَريءُ مِنَ الشِّرِّيرِ.
يَتَمَسَّكُ الصَّالِحُ بِطَرِيقِهِ،
وَيَزدَادُ طَاهِرُ اليَدَينِ قُوَّةً.

10 «لَكِنْ عُودُوا جَمِيعًا لِمُهَاجَمَتِي،
فَلَنْ أجِدَ شَخْصًا حَكِيمًا بَيْنَكُمْ.
11 انقَضَتْ حَيَاتِي،
وَتَمَزَّقَتْ أحْلَامِي،
وَزَالَ رَجَائِي.
12 انقَلَبَتْ حَيَاتِي.
فَصَارَ اللَّيلُ نَهَارًا،
وَالمَسَاءُ فَجرًا.

13 «إذِ اشتَهَيتُ الهَاوِيَةَ بَيْتًا لِي،
وَأنْ أجْعَلَ سَرِيرِي فِي الظَّلَامِ.
14 إذْ قُلْتُ لِلهَاوِيَةِ: أنْتِ أبِي،
وَلِلدُّودَةِ: أنْتِ أُمِّي أوْ أُختِي،
15 فَأينَ يَكُونُ رَجَائِي إذًا؟
وَمَنْ سَيَرى آمَالِي بَعْدِي؟
16 هَلْ سَيَهْبِطُ رَجَائِي مَعِي إلَى مَدْخَلِ الهَاوِيَةِ،
أمْ سَيُدفَنُ مَعِي فِي التُّرَابِ؟»

حَدِيثُ بِلْدَد

18 فَأجَابَ بِلْدَدُ الشُّوحِيُّ:

«حَتَّى مَتَى تُواصِلُونَ مِثْلَ هَذَا الكَلَامِ؟
تَعَقَّلُوا، وَسَنَتَكَلَّمُ بَعْدَ ذَلِكَ.
لِمَاذَا تَعْتَبِرُنَا كَقَطِيعٍ مِنَ البَهَائِمِ؟
لِمَاذَا نَحْنُ أغبِيَاءُ فِي نَظَرِكَ؟
أنْتَ مَنْ يُؤذِي نَفْسَهُ فِي غَضَبِهِ.
فَهَلْ سَتُهْجَرُ الأرْضُ بِسَبَبِكَ؟
أمْ هَلْ سَتَتَحَرَّكُ تَلَّةٌ مِنْ مَكَانِهَا لِأجْلِكَ؟

«نَعَمْ، يَنْطَفِئُ نُورُ الأشْرَارِ،
فَلَا تَعُودُ ألسِنَةُ نَارِهِمْ تَسْطَعُ.
نُورُ بَيْتِهِمْ مُظلِمٌ،
وَالسِّرَاجُ فَوقَهُ مُطفَأٌ.
تَتَقَيَّدُ خُطُواتُهُمُ القَوِيَّةُ،
وَتُسقِطُهُمْ خُطَطُهُمْ.
تَدُوسُ أقْدَامُهُمُ المِصيَدَةَ فَيَقَعُونَ فِيهَا،
وَيَمْشُونَ فَوْقَ فَخٍّ مَخْفِيٍّ.
تُمسِكُ المِصيَدَةُ بِأرجُلِهِمْ،
وَتُطْبِقُ الشَّبَكَةُ عَلَيْهِمْ.
10 فَالشَّرَكُ مُخَبَّأٌ فِي الأرْضِ،
فَخُّهُمْ مُخَبَّأٌ عَلَى الطَّرِيقِ.
11 تُرعِبُهُمُ المَصَائِبُ مِنْ حَوْلِهِمْ
وَتُطَارِدُ كُلَّ خُطُوَاتِهِمْ.
12 الضِّيقَاتُ جَائِعَةٌ لِالتِهَامِهِمْ،
وَالمُصِيبَةُ جَاهِزَةٌ لِعَثْرَتِهِمْ.
13 يَأْكَلُ المَرَضُ جِلْدَهُمْ،
وَيَلْتَهِمُ المَوْتُ[f] أطرَافَهُمْ.
14 أُبعِدُوا عَنْ حِصنِهِمُ الأمِينِ،
وَاقتِيدُوا لِمُلَاقَاةِ المَوْتِ مَلِكِ الأهْوَالِ.
15 لَا يَبْقَى شَيءٌ فِي بُيُوتِهِمْ،
وَتَنهَالُ نَارُ الكِبرِيتِ عَلَى مَسَاكِنِهِمْ.
16 تَجِفُّ جُذُورُهُمْ تَحْتَ الأرْضِ
وَتَذْبُلُ غُصُونُهُمْ مِنْ فَوقُ.
17 لَا يَذْكُرُهُمْ أحَدٌ فِي الأرْضِ،
وَلَا تُذْكَرُ أسْمَاؤُهُمْ فِي الطُّرُقَاتِ.
18 يُطَارَدُونَ مِنَ النُّورِ إلَى ظُلمَةِ المَوْتِ،
وَيُطرَدُونَ مِنْ عَلَى وَجْهِ الأرْضِ.
19 لَا نَسْلَ لَهُمْ وَلَا أوْلَادَ بَيْنَ جَمَاعَتِهِمْ،
وَلَا يَنْجُو لَهُمْ أحَدٌ فِي مَوضِعِ سُكنَاهُمْ.
20 يَرْتَعِبُ أهْلُ الغَرْبِ
مِمَّا حَدَثَ لَهُمْ فِي يَوْمِ عِقَابِهِمْ،
وَيَشُلُّ الرُّعبُ أهْلَ الشَّرْقِ.
21 إنَّمَا هَذَا مَصِيرُ الأشْرَارِ،
وَهَذَا نَصِيبُ الَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَ اللهَ.»

رَدُّ أيُّوبَ عَلَى بِلْدَد

19 فَأجَابَ أيُّوبُ:

«إلَى مَتَى تُعَذِّبُونَنِي.
وَتَسْحَقُونَنِي بِكَلَامِكُمْ؟
أهَنتُمُونِي مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ!
وَأسأتُمْ إلَيَّ بِلَا خَجَلٍ.
فَحَتَّى لَوْ أخْطَأتُ،
فَخَطَيَّتِي عَلَيَّ أنَا.
إنْ كُنْتُمْ تَحْسِبُونَ أنْفُسَكُمْ أفْضَلَ مِنِّي،
وَتَسْتَخْدِمُونَ ذُلِّي حُجَّةً ضِدِّي،
فَاعلَمُوا أنَّ اللهَ أوْقَعَنِي فِي الخَطَأِ
وَحَاصَرَنِي بِفَخِّهِ.
أصرُخُ مِنَ الظُّلْمِ وَمَا مِنْ مُجِيبٍ،
وَأستَغِيثُ وَمَا مِنْ عَدلٍ.
سَدَّ طَرِيقِي،
فَلَا أسْتَطِيعُ المُرُورَ،
وَأظلَمَ كُلَّ طُرُقِي.
جَرَّدَنِي مِنْ مَجْدِي،
وَأزَالَ التَّاجَ عَنْ رَأسِي.
10 يَهْدِمُنِي مِنْ كُلِّ الجِهَاتِ،
فَيُقضَى عَلَيَّ،
وَيُقلَعُ رَجَائِي كَمَا تُقلَعُ الشَّجَرَةُ.
11 أشعَلَ ضِدِّي غَضَبَهُ،
وَاعتَبَرَنِي عَدُوًّا لَهُ.
12 تَتَقَدَّمُ قُوَّاتُهُ مَعًا وَتَسُدُّ طَرِيقِي،
وَتُعَسكِرُ حَوْلَ بَيْتِي.

13 «أبعَدَ عَنِّي إخْوَتِي،
وَأصبَحَ أصدِقَائِي غُرَبَاءَ عَنِّي.
14 تَرَكَنِي أقرِبَائِي،
وَأصدِقَائِي نَسَوْنِي.
15 ضُيُوفُ بَيْتِي وَخَادِمَاتِي يَنْظُرُونَ إلَيَّ كَغَرِيبٍ.
صِرتُ أجنَبِيًّا فِي عُيُونِهِمْ!
16 أُنَادِي خَادِمِي، فَلَا يُجِيبُ.
حَتَّى لَوْ تَوَسَّلْتُ إلَيْهِ.
17 زَوْجَتِي تَكْرَهُ رَائِحَتِي،
وَصِرتُ مَكرُوهًا حَتَّى عِنْدَ إخْوَتِي.
18 حَتَّى الصِّغَارُ يَكْرَهُونَنِي.
أقِفُ فَيَتَكَلَّمُونَ عَلَيَّ.
19 أصدِقَائِي الحَمِيمُونَ كُلُّهُمْ يَنْفُرُونَ مِنِّي.
انْقَلَبَ عَلَيَّ الَّذِينَ أحبَبتُهُمْ.

20 «التَصَقَتْ عِظَامِي بِجِلْدِي وَلَحْمِي،
وَبِالكَادِ نَجَوْتُ بِجِلْدِي.

21 «أشْفِقُوا عَلَيَّ يَا أصدِقَائِي،
أشْفِقُوا لِأنَّ يَدَ اللهِ قَدْ ضَرَبَتْنِي.
22 لِمَاذَا تُطَارِدُونَنِي كَمَا يَفْعَلُ اللهُ؟
ألَمْ تَكْتَفُوا مِنَ الهُجُومِ عَلَيَّ؟

23 «لَيْتَ كَلِمَاتِي تُكتَبُ،
وَتُحفَظُ فِي كِتَابٍ.
24 لَيتَهَا تُنقَشُ فِي صَخرَةٍ
إلَى الأبَدِ بِقَلَمِ حَدِيدٍ وَرَصَاصٍ.
25 لِأنِّي أعْلَمُ أنَّ فَادِيَّ حَيٌّ،
وَسَيَقُفُ هُنَا عَلَى الأرْضِ
لِلدِّفَاعِ عَنِّي فِي النِّهَايَةِ.
26 فَحَتَّى بَعْدَ أنْ أتْرُكَ جَسَدِي،
وَيَفْنَى جِلْدِي،
أعْلَمُ أنني سأرَى الله.
27 أرَاهُ بِنَفْسِي،[g]
وَتَنْظُرُهُ عَيْنَايَ لَا عَينَا غَيرِي.
أتُوقُ إلَى هَذَا مِنْ أعْمَاقِي.

28 «تَتَسَاءَلُونَ: ‹كَيْفَ نُضَايِقُهُ أكْثَرَ،
لِيَعْلَمَ أنَّ المُشكِلَةَ فِيهِ؟›
29 لَكِنِ احذَرُوا مِنَ السَّيْفِ،
لِأنَّ غَضَبَكُمْ إثمٌ يَسْتَوْجِبُ السَّيْفَ،
لِكَي تَعْلَمُوا أنَّ هُنَاكَ دَينُونَةً.»

20 فَأجَابَ صُوفَرُ النَّعْمَاتِيُّ:

«هَا إنَّ أفكَارِي المُضطَرِبَةَ تَجْعَلُنِي أُجِيبُكَ،
بِسَبَبِ هَيَاجٍ فِي دَاخِلِي.
أسمَعُ فِي كَلَامِكَ لنَا إهَانَةً.
سَأرُدُّ عَلَيْكَ بِرُوحِ فَهمِي.

«أمَا عَلِمْتَ أنَّ الأُمُورَ هِيَ هَكَذَا مُنْذُ القَدِيمِ،
مُنْذُ أنْ وُجِدَ الإنْسَانُ عَلَى الأرْضِ؟
أمَا عَلِمْتَ أنَّ هُتَافَ انتِصَارِ الأشْرَارِ لَا يَدُومُ،
وَأنَّ فَرَحَ الفَاسِدِينَ إلَى حِينٍ؟
حَتَّى لَوِ ارتَفَعَ كِبرِيَاؤُهُ إلَى السَّمَاوَاتِ
وَرَأسُهُ إلَى السَّحَابِ،
فَسَيَتَلَاشَى إلَى الأبَدِ كَمَا تَتَلَاشَى فَضَلَاتُهُ.
فَيَسألُ الَّذِينَ رَأَوْهُ: ‹أيْنَ هُوَ؟›
كَحُلمٍ يَطِيرُ، فَلَا تَجِدُونَهُ،
وَكَطَيفِ اللَّيلِ يُطرَدُ.
لَا يَعُودُ يَرَاهُ مَنْ يَنْظُرُ إلَيْهِ،
وَلَا يُرَى مَكَانُهُ فِيمَا بَعْدُ.
10 يَسْتَجْدِي أبنَاؤُهُ الفُقَرَاءُ،
وَتَرُدُّ يَدَاهُ مَا جَمَعَهُ مِنْ ثَرْوَةٍ.
11 كَانَتْ عِظَامُهُ مَلِيئَةً بِرُوحِ الشَّبَابِ،
لَكِنَّهَا سَتَضْطَجِعُ مَعَهُ فِي التُّرَابِ.

12 «فِي فَمِهِ، يَحْلُو مَذَاقُ الشَّرِّ،
فَيُخفِيهِ تَحْتَ لِسَانِهِ لِيَسْتَمْتِعَ بِهِ.
13 يَتَمَسَّكُ بِهِ وَلَا يُفلِتُهُ،
وَيُبقِيهِ فِي حَنَكِهِ،
14 لَكِنَّ طَعمَهُ يَنْقَلِبُ مُرًّا فِي مَعِدَتِهِ،
وَيَكُونُ كَسُّمِّ الأفَاعِي فِي جَوْفِهِ.
15 يَبْتَلِعُ الثَّروَةَ ثُمَّ يَتَقَيّأُهَا،
وَيَطْرُدُهَا اللهُ مِنْ مَعِدَتِهِ.
16 يَرْضَعُ سُمَّ الأفَاعِي،
فَيَقْتُلُهُ لِسَانُ الأفعَى.
17 لَا يَتَمَتَّعُ بِمَا يَرَى مِنْ أوْدِيَةٍ تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا.
18 يَرُدُّ ثِمَارَ تَعَبِهِ،
لِأنَّهُ لَا يَقْوَى عَلَى ابتِلَاعِهَا،
فَلَا يَفْرَحُ بِنَجَاحِ تِجَارَتِهِ.
19 لِأنَّهُ سَحَقَ المَسَاكِينَ وَتَرَكَهُمْ،
وَاغتَصَبَ بَيْتًا لَمْ يَبْنِهِ.

20 «لِأنَّ جُوعَهُ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ،
وَلَا تُخَلِّصُهُ مُشتَهَيَاتُهُ.
21 لَمْ يَتَبَقَّ فُتَاتٌ بَعْدَ أنْ أكَلَ.
لِهَذَا لَا يَدُومُ نَجَاحُهُ.
22 فِي قِمَّةِ اكتِفَائِهِ يَتَضَايَقُ،
وَتَأْتِيهِ كُلُّ تَعَاسَةٍ.
23 وَيُرسِلُ اللهُ عَلَيْهِ غَضَبَهُ لِيَملأَ بِهِ بَطنَهُ،
وَيُمطِرُ الغَضَبَ عَلَيْهِ طَعَامًا.
24 إنْ هَرَبَ مِنْ سِلَاحِ الحَدِيدِ،
يَخْتَرِقُهُ سَهمٌ مِنْ نُحَاسٍ.
25 يُسحَبُ السَّهمُ مِنْ ظَهرِهِ،
وَرَأسُ السَّهْمِ اللَّامِعِ كَالبَرْقِ مِنْ مَرَارَتِهِ،
وَيَهُزُّهُ الرُعْبُ.
26 لَا تَرَى كُنُوزُهُ ضَوْءَ النَّهَارِ،
وَتَلْتَهِمُهُ نَارٌ لَمْ يُضْرِمْهَا بَشَرٌ.
فَتُدَمِّرُ كُلَّ مَا تَبَقَّى مِنْ بَيْتِهِ.
27 تَكْشِفُ السَّمَاوَاتُ إثمَهُ،
وَتَقُومُ الأرْضُ ضِدَّهُ.
28 تُجرَفُ كُلُّ مُقتَنَيَاتِ بَيْتِهِ
حِينَ يَفِيضُ غَضَبُ اللهِ.
29 هَذَا نَصِيبُ الشِّرِيرِ مِنْ غَضَبِ اللهِ،
وَمِيرَاثُهُ الَّذِي حَدَّدَهُ اللهُ.»

رَدُّ أيُّوبَ عَلَى صُوفَر

21 فَأجَابَ أيُّوبُ:

«اسْمَعُونِي جَيِّدًا،
فَهَكَذَا تُعَزُّونَنِي.
احتَمِلُونِي وَدَعُونِي أتَكَلَّمْ،
وَبَعْدَ ذَلِكَ استَهْزِئُوا بِي.

«شَكوَايَ لَيْسَتْ مِنْ إنْسَانٍ،
وَلِهَذَا لَا صَبْرَ لِي.
تَفَرَّسُوا فِي وَجْهِي وَاندَهِشُوا،
وَضَعُوا أيدِيكُمْ عَلَى أفوَاهِكُمْ.
حِينَ أُفَكِّرُ فِي الأمْرِ أرْتَعِبُ،
وَيَرْتَجِفُ كُلُّ كِيَانِي.
لِمَاذَا يَحيَا الأشرَارُ؟
نَعَمْ! يُعَمِّرُونَ طَوِيلًا وَتَزدَادُ ثَرَوَاتُهُمْ؟
نَسْلُهُمْ قَائِمٌ أمَامَهُمْ،
وَيَرَوْنَ أحفَادَهُمْ بِعُيُونِهِمْ.
بُيُوتُهُمْ آمِنَةٌ مُطمَئِنَّةٌ،
وَاللهُ لَا يُعَاقِبُهُمْ.
10 ثَوْرُ الشِّرِّيرِ يُلْقِحُ وَلَا يَفْشَلُ،
وَبَقَرَتُهُ تَلِدُ وَلَا تُجهِضُ.
11 يُطلِقُونَ صِغَارَهُمْ لِيَلْعَبُوا كَالحِمْلَانِ،
وَيَرْقُصُ أبنَاؤُهُمْ.
12 يَعْزِفُونَ عَلَى الدُّفِّ وَالقِيثَارَةِ
وَيَحْتَفِلُونَ بِالعَزفِ عَلَى النَّايِ.
13 يَقْضُونَ كُلَّ حَيَاتِهِمْ سُعَدَاءَ،
وَيَهْبِطُونَ إلَى الهَاوِيَةِ فِي سَلَامٍ.
14 يَقُولُونَ للهِ: ‹دَعنَا! لَا نُرِيدُ أنْ نَعْرِفَ طُرُقَكَ.
15 وَمَنْ هُوَ القَدِيرُ حَتَّى نَعبُدَهُ؟
وَمَاذَا نَنتَفِعُ إنْ صَلَّينَا إلَيْهِ؟›

16 «حَقًّا، خَيرُهُمْ لَيْسَ فِي يَدِهِمْ.
لَكِنِّي لَا أقبَلُ نَصِيحَةَ الأشْرَارِ.
17 فَكَثِيرًا مَا يَنْطَفِئُ نُورُ حَيَاةِ الأشْرَارِ،
أوْ تُصِيبُهُمْ مَصَائِبُ،
أوْ يُخَصِّصُ اللهُ لَهُمْ فِي غَضَبِهِ أوجَاعًا.
18 كَثِيرًا مَا يَكُونُونَ كَالقَشِّ أمَامَ الرِّيحِ،
أوْ كَالتِّبْنِ الَّذِي تَحْمِلُهُ العَاصِفَةُ؟
19 تَقُولُونَ: ‹يَحْفَظُ اللهُ عِقَابَ الشِّرِّيرِ لِأبنَائِهِ.›
بَلْ لِيُجَازِهِ هُوَ فَيَعْرِفَ إثمَهُ.
20 لِيَرَ الشِّرِّيرُ دَمَارَهُ بِعَيْنَيْهِ،
وَلِيَشْرَبْ مِنْ غَضَبِ القَدِيرِ.
21 لِأنَّهُ مَاذَا يُرِيدُ مِنْ بَيْتِهِ بَعْدَهُ،
عِنْدَمَا تَنْقَضِي شُهُورُ حَيَاتِهِ؟

22 «هَلْ يُعَلِّمُ أحَدٌ اللهَ شَيْئًا،
وَهُوَ الَّذِي يَدِينُ أعْلَى النَّاسِ شأنًا؟
23 يَمُوتُ أحَدُهُمْ فِي قِمَّةِ نَجَاحِهِ مُرتَاحًا مُطمَئِنًّا.
24 أوعِيَتُهُ مَلِيئَةٌ بِاللَّبَنِ،
وَمُخُّ عِظَامِهِ مَملُوءٌ حَيَاةً.
25 وَيَمُوتُ آخَرُ بِمَرَارَةِ نَفْسِهِ،
دُونَ أنْ يَتَذَوَّقَ خَيْرًا.
26 فَيَضْطَجِعُ الِاثْنَانُ مَعًا فِي التُّرَابِ،
وَسَرْعَانَ مَا يُغَطِّيهِمَا الدُّودُ.

27 «أنَا أعْرِفُ أفكَارَكُمْ،
وَكَيْفَ تَتَّفِقُونَ لِاتِّهَامي ظُلمًا.
28 تَقُولُونَ: ‹شَتَّانَ بَيْنَ بَيْتِ الشَّرِيفِ،
وَبَيْنَ خَيْمَةِ الأشْرَارِ!›

29 «ألَمْ تَسألُوا عَابِرِي السَّبِيلِ؟
قَدْ سَمِعْتُمْ شِهَادَاتِهِمْ:
30 الشِّرِّيرُ يَنْجُو يَوْمَ البَلوَى،
وَيُنقَذُ فِي يَوْمِ الغَضَبِ.
31 مَنْ وَاجَهَ الشِّرِّيرَ بِأفْعَالِهِ يَومًا؟
وَمَنْ يُجَازيهِ بِمِثْلِ مَا فَعَلَهُ بِالآخَرِينَ؟
32 يُحمَلُ إلَى المَقَابِرِ،
وَيَسْهَرُ حَارِسٌ عَلَى قَبرِهِ لِيَحْرُسَهُ.
33 يُسَرُّ بِتُرَابِ الوَادِي،
وَيَمْشِي الجَمِيعُ وَرَاءَ مَوكِبِ جَنَازَتِهِ،
وَأمَامَهُ جُمهُورٌ بِلَا عَدَدٍ.

34 «فَكَيْفَ تُعَزُّونَنِي بِكَلِمَاتٍ فَارِغَةٍ،
وَأجوِبَتُكُمْ بَعيدَةٌ عَنِ الحَقِّ؟»

حَدِيثُ ألِيفَاز

22 فَأجَابَ ألِيفَازُ التَّيمَانِيُّ:

«هَلْ يَنْفَعُ الإنْسَانُ اللهَ؟
إنَّمَا يَنْفَعُ الحَكِيمُ نَفْسَهُ.
هَلْ تُفِيدُ القَدِيرَ إنْ كُنْتَ بَارًّا،
أمْ تَعُودُ عَلَيْهِ طُرُقُكَ المُسْتَقِيمَةُ بِالرِّبحِ؟
هَلْ يُوَبِّخُكَ بِسَبَبِ تَقوَاكَ،
فَيَدْخُلَ مَعَكَ فِي مُحَاكَمَةٍ؟
ألَيْسَ شَرُّكَ عَظِيمًا؟
ألَيْسَتْ آثَامُكَ بِلَا حَدٍّ؟
لِأنَّكَ تَطْلُبُ رَهنًا مِنْ إخْوَتِكَ بِلَا دَاعٍ،
وَتَنْزِعُ ثِيَابَ العُرَاةِ.
لَا تُعطِي المُتعَبَ مَاءً لِيَشْرَبَ،
وَتَمْنَعُ الطَعَامَ عَنِ الجِيَاعِ.
الأرْضُ لِلقَوِيِّ،
وَالثَرِيُّ يَسْكُنُ فِيهَا.
تُرسِلُ الأرَامِلَ فَارِغَاتِ الأيدِي،
وَتَسْحَقُ قُوَّةَ اليَتَامَى.
10 لِهَذَا تُحِيطُ بِكَ الفِخَاخُ،
وَيَسْتَوْلِي عَلَيْكَ خَوفٌ مُفَاجِئٌ،
11 وَظُلمَةٌ فَلَا تَرَى،
وَفَيَضَانٌ يَغْمُرُكَ.

12 «ألَيْسَ اللهُ هُوَ العَلِيُّ فِي السَّمَاوَاتِ؟
ألَيْسَ هُوَ أعْلَى مِنَ النُّجُومِ؟
13 وَأنْتَ تَقُولُ: ‹مَا الَّذِي يَعْرِفُهُ اللهُ؟
أيَدِينُ مِنْ خَلفِ سَحَابَةٍ سَودَاءَ؟
14 تَحْجُبُهُ سُحُبٌ سَودَاءُ فَلَا يَرَانَا،
بَيْنَمَا يَمْشِي عَلَى قُبَّةِ السَّمَاوَاتِ.›

15 «أتَنْوِي أنْ تُواصِلَ الطَّرِيقَ القَدِيمَ
الَّذِي سَلَكَهُ الأشرَارُ،
16 الَّذِينَ أُختُطِفُوا قَبْلَ أوَانِهِمْ،
وَجُرِفُوا كَبَيتٍ جَرَفَهُ فَيَضَانٌ مِنْ أسَاسِهِ؟
17 يَقُولُونَ للهِ: ‹دَعنَا! مَاذَا سَيَفْعَلُ القَدِيرُ لَنَا؟›
18 مَعَ أنَّ القَدِيرَ مَلأ بُيُوتَهُمْ بِالخَيْرَاتِ.
لِتَبْتَعِدْ عَنِّي نَصَائِحُ الأشْرَارِ.
19 يَرَى الأبْرَارُ مَتَاعِبَ الأشْرَارِ وَيَبْتَهِجُونَ،
وَالأنقِيَاءُ يَهْزَأُونَ بِهِمْ.
20 وَيَقُولُونَ: ‹دُمِّرَ مُقَاوِمُونَا،
وَهَا هِيَ النَّارُ تَلْتَهِمُ ثَروَتَهُمْ.›

21 «تَصَالَحْ مَعَ اللهِ وَاطمَئِنّْ،
بِذَلِكَ يَأْتِيكَ خَيْرٌ.
22 اقبَلِ التَّعلِيمَ الَّذِي مِنْ فَمِ اللهِ،
وَضَعْ أقْوَالَهُ فِي قَلْبِكَ
23 إنْ عُدْتَ إلَى القَدِيرِ يَبْنِي بَيْتَكَ.
إنْ أزَلْتَ الشَّرَّ مِنْ بَيْتِكَ،
24 إنْ ألقَيتَ الذَّهَبَ عَلَى التُّرَابِ،
وَذَهَبَ أُوفِيرَ فِي قَاعِ الوَادِي.
25 إنْ كَانَ القَدِيرُ هُوَ ذَهَبَكَ،
وَأغلَى فِضَّةٍ عِنْدَكَ،
26 حِينَئِذٍ تَتَلَذَّذُ فِي القَدِيرِ،
وَتَرْفَعُ وَجْهَكَ أمَامَهُ.
27 تُصَلِّي إلَيْهِ فَيَسْمَعُكَ،
وَتُوفِي كُلَّ نُذُورِكَ لَهُ.
28 حِينَئِذٍ، تُقَرِّرُ أمْرًا فَيَكُونُ لَكَ،
وَتُنَارُ لَكَ الدُّرُوبُ.
29 حِينَ يَكْتَئِبُ الآخَرُونَ
تَقُولُ لَهُمُ ابتَهِجُوا،
وَيُخَلِّصُ القَدِيرُ المُتَّضِعَ.
30 حَتَّى إنَّ المُذنِبَ يُطلَقُ، فَيَتَحَرَّرُ،
وَيُنَجِّيهِ اللهُ بِسَبَبِ عَمَلِ يَدَيْكَ.»

رَدُّ أيُّوبَ عَلَى ألِيفَاز

23 فَأجَابَ أيُّوبُ:

«اليَوْمَ أيْضًا شَكوَايَ مُرَّةٌ،
فَيَدُ اللهِ عَلَيَّ ثَقِيلَةٌ رُغْمَ أنِينِي.
لَيتَنِي أعْرِفُ أيْنَ أجِدُهُ،
فَأذْهَبَ إلَى حَيْثُ هُوَ.
لِأُقَدِّمَ دَعوَايَ أمَامَهُ،
وَأملأ فَمِي بِحُجَجٍ مَشرُوعَةٍ،
وَأعلَمَ مَا سَيُجِيبُنِي بِهِ،
فَأفهَمَ مَا يَقُولُهُ لِي.
هَلْ سَيُنَازِلُنِي اللهُ بِقُوَّةٍ عَظِيمَةٍ؟
لَا بَلْ سَيُصغِي إلَيَّ.
هُنَاكَ يَسْتَطِيعُ المُسْتَقِيمُ أنْ يُحَاجِجَهُ،
فَأنجُو نِهَائِيًّا مِنْ دَيَّانِي.

«أذهَبُ شَرقًا فَلَا يَكُونُ هُنَاكَ،
وَغَربًا فَلَا أرَاهُ.
أتَّجِهُ شِمَالًا حَيْثُ يَعْمَلُ فَلَا أرَاهُ،
وَحِينَ يَمِيلُ إلَى الجَنُوبِ لَا أرَاهُ.
10 لَكِنَّهُ يَعْرِفُ مَسْلَكِي،
حِينَ يَمْتَحِنُنِي أخْرُجُ كَالذَّهَبِ.
11 تَتْبَعُ خُطَايَ خُطَاهُ،
وَأحفَظُ طَرِيقَهُ، وَلَا أحِيدُ عَنْهُ.
12 أُطِيعُ وَصَايَا شَفَتَيْهِ وَلَا أترُكُهَا.
وَأكنُزُ كَلِمَاتِ فَمِهِ فِي صَدرِي.

13 «أمَّا هُوَ فَقَدْ عَزَمَ أمرَهُ،
وَلَا يُوجَدُ مَنْ يَرُدُّهُ.
وَمَا يَرْغَبُ فِيهِ يَعْمَلُهُ.
14 لِأنَّهُ سَيُحَقِّقُ خُطَّتَهُ لِحَيَاتِي،
وَلَدَيهِ أشيَاءُ كَثِيرَةٌ لِي.
15 لِهَذَا أرْتَعِبُ مِنْهُ،
أتَأمَّلُ ذَلِكَ، فَأخَافُ مِنْهُ.
16 أفقَدَنِي اللهُ شَجَاعَتِي،
وَأرْعَبَنِي القَدِيرُ.
17 لَكِنِّي لَمْ أخْتَفِ فِي الظَّلَامِ،
مَعَ أنَّ سَوَادَ اللَّيْلِ يُغَطِّي وَجْهِي.

24 «لِمَاذَا لَا يَخْفَى شَيءٌ مِنَ الأزمِنَةِ عَلَى القَدِيرِ؟
بَيْنَمَا الَّذِينَ يَعْرِفُونَهُ لَا يَرَوْنَ مَاذَا سَيَحْدُثُ؟

«يُغَيِّرُ النَّاسُ حُدُودَ أرَاضِي الآخَرِينَ،
يَسْرِقُونَ المَوَاشِي وَيُطلِقُونَهَا فِي مَرَاعِيهِمْ.
يَسُوقُونَ حِمَارَ اليَتِيمِ،
وَيُصَادِرُونَ ثَوْرَ الأرمَلَةِ رَهْنًا.
يُبعِدُونَ المُحتَاجِينَ عَنِ الطَّرِيقِ،
فَيَخْتَبِئُ مِنْهُمْ كُلُّ فُقَرَاءِ الأرْضِ.

«كَالحَيَوَانَاتِ البَرِّيَّةِ يَخْرُجُونَ إلَى عَمَلِهِمْ فِي البَرِّيَّةِ،
يُبَكِّرُونَ فِي سَعيِهِمْ إلَى الخُبْزِ
مِنْ أجْلِ صِغَارِهِمْ فِي الأرْضِ المُقفِرَةِ.
يَحْصُدُ الفُقَرَاءُ عَلَفَ الشِّرِّيرِ فِي الحَقْلِ،
وَيَجْمَعُونَ البَوَاقِيَ مِنْ كَرْمِهِ.
يَبِيتُونَ عُرَاةً مِنْ غَيْرِ كِسَاءٍ،
وَلَيْسَ لَهُمْ مَا يَحْمِيهِمْ مِنَ البَرْدِ.
تُبُلِّلهُمْ أمْطَارُ الجِبَالِ.
فَيَلْتَصِقُونَ بِصَخْرَةٍ يَحْتَمُونَ بِهَا.
يَخْطَفُ الأشْرَارُ اليَتِيمَ عَنْ ثَديِ أُمِّهِ،
وَيَأْخُذُونَ ثِيَابَ المَسَاكِينِ رَهنًا.
10 فَيَمْشِي المَسَاكِينُ عُرَاةً دُونَ كِسَاءٍ،
وَيَحْمِلُ الجِيَاعُ حَفنَةَ حُبُوبٍ.
11 يَعْصِرُونَ الزَّيْتَ بَيْنَ أتلَامِ[h] الأشْرَارِ.
وَيَدُوسُونَ مَعَاصِرَ الخَمْرِ وَهُمْ عِطَاشٌ.
12 فِي المَدِينَةِ يَئِنُّ النَّاسُ،
وَحَنَاجِرُ المَجرُوحِينَ تَسْتَغِيثُ صَارِخَةً،
لَكِنَّ اللهَ لَا يَنْتَبِهُ إلَى صَلَاتِهِمْ.

13 «هَؤلَاءِ مُتَمَرِّدُونَ عَلَى النُّورِ
وَلَا يَعْتَرِفُونَ بِطُرُقِهِ،
وَلَا يَسْكُنُونَ فِي مَسَالِكِهِ.
14 يَقُومُ القَاتِلُ فَجرًا،
وَيَقْتُلُ الضَّعِيفَ وَالمِسكِينَ،
وَفِي اللَّيلِ يُصْبِحُ لِصًّا.
15 عَينُ الزَّانِي تَتَرَقَّبُ حُلُولَ المَسَاءِ وَتَقُولُ:
‹لَنْ تَرَانِي عَينٌ!›
وَعَلَى وَجْهِهِ يَضَعُ قِنَاعًا.
16 يَسْطُونَ عَلَى البُيُوتِ لَيْلًا،
وَفِي النَّهَارِ يُغلِقُونَ عَلَى أنْفُسِهِمْ،
لِأنَّهُمْ غَيْرُ مُتَصَالِحِينَ مَعَ النُّورِ.
17 لِأنَّ الظُلمَةَ العَمِيقَةَ عِنْدَهُمْ كَالصُّبْحِ،
غَيْرَ أنَّهُمْ يَعْرِفُونَ أهْوَالَ الظُّلمَةِ العَمِيقَةِ.

18 «تَقُولُ: ‹إنَّ الشِّرِّيرَ كَالقَشَّةِ تَجْرُفُهَا الميَاهُ،
وَمُمتَلَكَاتِهِ مَلعُونَةٌ عَلَى الأرْضِ،
فَلَا يَعْمَلُ أحَدٌ فِي كُرُومِهِ.
19 فَكَمَا يَسْرِقُ الجَفَافُ وَالحَرُّ مِيَاهَ الثُّلُوجِ الذَّائِبَةِ،
كَذَلِكَ تَسْرِقُ الهَاوِيَةُ الخُطَاةَ.
20 يَنسَاهُ البَطنُ الَّذِي وَلَدَهُ،
وَيَسْتَحْلِيهِ الدُّودُ.
لَا يَعُودُ يُذكَرُ،
وَيَنْكَسِرُ الشَّرُّ كَالعَصَا.
21 الشِّرِّيرُ يَأْكُلُ المَرْأةَ العَاقِرَ،
وَلَا يُحسِنُ إلَى الأرمَلَةِ.
22 يُزِيلُ بِقُوَّتِهِ الأشْرَافَ الأشِدَّاءَ.
وَرُبَّمَا يَتَقَدَّمُ، لَكِنَّهُ لَا يَثِقُ بِالحَيَاةِ.
23 رُبَّمَا يَشْعُرُ بِالأمَانِ وَالثَّبَاتِ،
وَيُرِيدُ أنْ يَتْبَعَ طُرُقَهُمْ نَحْوَ القُوَّةِ،
24 لَكِنَّهُ مِثْلُهُمْ، يَرْتَفِعُ قَلِيلًا،
ثُمَّ يَمْضِي.
يُقْطَعُ كَرُؤُوسِ السَّنَابِلِ كَغَيرِهِ مِنَ النَّاسِ.›

25 «فَإنْ لَمْ تَكُنِ الأُمُورُ هَكَذَا،
فَمَنْ يُبَرْهِنُ كَذِبِي،
وَيُبَيِّنُ أنَّ كَلَامِي بَاطِلٌ.»

Arabic Bible: Easy-to-Read Version (ERV-AR)

Copyright © 2009, 2016 by Bible League International